أنت هنا

قراءة كتاب مشاهدات في السينما العالمية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مشاهدات في السينما العالمية

مشاهدات في السينما العالمية

كتاب " مشاهدات في السينما العالمية " ، تأليف جاسم المطير ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

سينما الشرق في دول الغرب السينما التركية نموذجاً

تكمن جاذبية السينما الغربية في الأسواق السينمائية الشرقية منذ أكثر من ستين عاماً في حالة الإشباع النفسي الذي تقدمه الأفلام العالمية الأوروبية والأميركية للمشاهدين الشرقيين العرب والأتراك والإيرانيين والهنود وغيرهم لأن هذه الأفلام تقدم حججاً من خلال المشاهد واللقطات والأحداث والحوار قادرة على إقناع المشاهد الشرقي حتى ببعض مضامين الأفلام التي تقدم وقائع زائفة أو محرّفة في بعض الأحيان داخل حركة الأفلام الروائية والوثائقية سواء بسواء.

غير أن الأفلام الشرقية لم تتمكن حتى الآن من الاعتماد على الأمور السينمائية القادرة على التفاعل مع المشاهد الغربي ليس فقط بسبب نقص التكنيك السينمائي وإنما بسبب ضعف الربط المطلوب بين الانفعال والتعبير في مضامين الإنتاج الشرقي عموماً. مؤخراً بدأت بعض الدراسات السينمائية الجادة التي يقوم بها باحثون غربيون وشرقيون تقدم رؤية أولية شاملة تتناول أسباب ضعف أو قوة المعايير السينمائية التي تظهر معاناة السينما الشرقية في الأسواق الغربية وأسباب انفصال المشاهد الغربي وعدم تفاعله مع الأفلام الشرقية.

من هذه الدراسات المهمة دراسة بعنوان «السينما التركية في ألمانيا.. أفلام في ثقافتين..» كتبها: أمين فارزأنفار. تناول فيها منظومة العادات الاجتماعية المحيطة بعالم الإنسان التركي: وقد أورد فيها حقائق عن العائلة التركية والقيود الجماعية التي تتحكم فيها مشيراً إلى نموذج سينمائي تركي حاز تقييم الكثير من الألمان مشاهدين ونقاداً. منذ فوز المخرج فاتح أكين التركي الأصل بجائزة «الدب الذهبي» في مهرجان برلين السينمائي عام 2004 صار لدى السينما التركية في ألمانيا قبول جماهيري، فمعظم مشاهديها من الألمان. لذا يجدر بنا أن نلقي نظرة على ركائز نجاح هذه السينما.

بعض القصص الواقعية كانت قد ساهمت في إيجاد القبول الألماني للأفلام التركية ومعالجاتها عبر استجابات إنسانية عادية لظروف يومية صارمة ومنها:

«يغادر دورسون تركيا إلى ألمانيا من أجل العمل. يذهب لعمله ويترك زوجته الشابة تورنا حبيسة الشقة التي يسكنانها بإحدى العمارات العالية، وذلك بحجة حمايتها من التأثير السيىء للثقافة الغربية. ولا تلقى رغبات تورنا في الخروج والترفيه والاتصال بالبشر أي قبول لديه، فالأمر يتعلق في نهاية المطاف بشرفه. وعلى المرأة التي تزوجت في الأناضول برجل أكبر منها بكثير، أن تدفن حلمها بمزيد من الحرية في الوطن الجديد، إنها سجينة داخل أربعين متراً مربعاً. ثم تأتي اللحظة التي يصاب فيها دورسون المريض بالصرع بنوبة وهو يستحم، ثم يموت في ردهة البيت. تجلس تورنا أمام جثته لوقت طويل، وفي لحظة ما تزيح الجثة وتغادر البيت».

اليوم يمكن أن يعتبر فيلم «ألمانيا أربعون متراً مربعاً» في نقاشات المهاجرين الأتراك مثالاً رجعياً عن تقديم صورة محمّلة بالكليشيهات عن المهاجرات التركيات. وفي وقت إنتاجه عام 1987 كان هذا الفيلم الذي أخرجه توفيق باشر هو بلا منازع أول فيلم يخرجه تركي في ألمانيا عن موضوع تركي. ومن الناحية الفنية تميز أداء الممثلان أوزاي فيشت ويامان أوكاي (الذي شارك بالتمثيل في رائعة يلماز غونيه سورو Sürü ) بصدقية عالية، وكذلك تميز عمل المصور عزت أكاي الذي عرض الحكاية عبر مشاهد طويلة وألوان تتميز بالغنى والوضوح. كآبة مضمون الفيلم والمبالغة في تجسيد الشخصيات بصورة تبدو فيها إما طيبة تماماً وإما شريرة تماماً، إما أبيض وإما أسود، قد تكون نابعة من الميل أو الانجراف إلى الميلودراما التركية، بقدر ما قد تكون نابعة أيضاً من الظروف القاسية للواقع.

قبل فيلم باشر كان المخرجون الألمان هم أول من قاموا بتصوير حياة العمال المهاجرين. في البدء كان فاسبندر: فيلم «كاتسلماخر» (وهي كلمة ساخرة تشير إلى العمال الإيطاليين في ألمانيا والنمسا)، يحكي عن كيفية سقوط عامل يوناني، في أحد المجمعات السكنية الجديدة الضيقة، ضحية ثلة مأفونة. أما فيلم «الخوف يأكل الروح» فيتناول هذا الموضوع بتوسع، فهو يعرض لامرأة وحيدة تدخل في علاقة مع شاب مغربي، وفي الحال تلقى احتقار المجتمع من حولها. وتفشل العلاقة في آخر المطاف بسبب صراعات نفسية داخلية. لم يكن فاسبندر يسعى فعلياً إلى عرض صورة واقعية لثقافة المهاجرين: فبطله الجنوبي ليس سوى إطار موضوع من أجل تصوير برودة الحياة الاجتماعية في ألمانيا ما بعد الحرب، ويصبح هذا البطل أيضاً في عزلته الاجتماعية والثقافية رمزاً للوحدة والنرجسية التي يعيشها المخرج. لكن المأساوي والغريب في الأمر أن الممثل هادي بن سالم قد انتحر بعد أن تركه فاسبندر. في هذين الفيلمين ارتسمت معالم ما سيأتي في الأعوام القادمة: الأجنبي ــــــ غالباً ما يكون تركياً ــــــ يحكي قصة معاناته، قوم فقراء في بلد بارد، رجال يخضعون لعهد شرف عفا عليه الزمن، ولسطوة العمل المنهك، النساء يعانين القهر، وجميعهم يعصف النازيون القدامى بحياتهم: وكون أن جزءاً من هذه الكليشيهات كان صائباً، يثير ضيق الجناح المثقف من المهاجرين وكذا الجيل الثالث منهم حتى يومنا هذا.

من هذا المنطلق، كان فيلم «عرس شيرين» واعداً، حيث قام المخرج زاندر ــــــ برامز بوضع المرأة التركية ومعاناتها في بؤرة الاهتمام. تأتي شيرين إلى ألمانيا وتعمل كعاملة تنظيف وينتهي بها المطاف في عالم الدعارة. أما فيلم هارك بوم الرائع «ياسمين» فيظهر قوة الحب في مواجهة عنفوان التقاليد، فعاشق ياسمين الألماني يصبح فارساً رومانطيقياً، يأتي على ظهر دراجته البخارية وينقذ العروس التركية من أسر عشيرتها الذكورية.

الشيء الرئيسي في إيجاد منافذ دخول الأفلام الشرقية إلى قاعات المشاهدين الغربيين يبنى أساساً على الصدمة السينمائية الضرورية في أنماط الفهم الثقافي داخل وبواسطة الفن السينمائي الشرقي، فمن دون الصفة المركزية المستندة إلى صدق الرغبة والعاطفة في القصة السينمائية الشرقية وحوارها لا يمكن إيجاد العلاقة الثقافية مع المشاهدين الغربيين.

الصفحات