كتاب " نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة " ، تأليف د. أحمد عبد الحليم عطية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة
نيتشه في الفكر العربي المعاصر
د. أحمد عبد الحليم عطية (*)
إن تأثير نيتشه في تزايد مستمر وهو تأثير لم يظهر في حياة الفيلسوف بل ظهر قوياً بعد وفاته. فقد تنبأ هو نفسه بأنه ستنشأ ـ في يوم من الأيام ـ كراسٍ جامعية خاصة من أجل دراسة كتابه «هكذا تكلم زرادشت» ، وهي نبوءة تحققت ضد جميع التوقعات. ففي أوائل القرن العشرين كان «زرادشت» ـ من دون ريب ـ المؤلف الأشهر في ألمانيا، وكانت شعبيته وعدد طبعاته في ازدياد متصل. هكذا كتب ستيبان أوديف في مقدمة كتابه «على دروب زرادشت» . وهو كتاب مارس تأثيراً قوياً في مثقفي العربية. فأفكار نيتشه ـ كما يرى ـ لم تمارس فحسب، وإنما لا تزال تمارس، تأثيراً هائلاً في الفكر البورجوازي النظري بل وتُستخدم بصورة فعالة في النضال الأيديولوجي من حيث هي نقيض التصور التقدمي عن العالم المؤسس على المعرفة العلمية للقوانين الموضوعية لتطور الطبيعة والتاريخ والفكر البشري. ونظراً لأن النيتشويه ليست عقيدة رسمية، فقد احتفظت بشهرة الفلسفة النقدية المستقلة التي تسمو فوق غرور النزعات النظرية والأيديولوجية والسياسية (1).
يستعرض أوديف في الفصل الأول من كتابه الأسس النظرية للنتشوية، بينما تشكل الفصول الثلاثة التالية محاولة لتتبع تأثير نيتشه على الصعيدين التاريخي والفلسفي داخل بعض التيارات الفلسفية في ألمانيا منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى أيامنا الحاضرة (2).
ويلاحظ ستيبان أوديف أن النيتشوية ـ من حيث هي تيار فلسفي ـ لا يمثلها إلا فيلسوف واحد هو نيتشه نفسه، إذ إن تلامذته الأشهر فضلوا أن يؤسسوا «مدارسهم الخاصة»، كما أن أنصاره وشارحيه الكثيرين لم يضيفوا كلمة واحدة الى فلسفته، بل اكتفوا بتكييف تعاليمه مع أذواق المستهلكين المثقفين، ممهدين له بذلك درباً نحو فكر الانتلجنسيا البورجوازية وروحها. وتستدعي هذه الملاحظة التساؤل التالي: هل اكتفى الكتّاب العرب بهذه المهمة ـ مهمة الشرح ـ أم أنهم طوعوا أفكار نيتشه لخدمة قضاياهم واهتماماتهم؟ وهذا التساؤل ـ وهو هدف هام في دراستنا الحالية ـ يقتضي منا الوقوف على صورة نيتشه في الثقافة العربية منذ التعرف إليه في بدايات القرن العشرين وحتى اليوم. والوقوف عند القراءات العربية المتعددة له.