كتاب " في مهب العاصفة " ، تأليف الفضل شلق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب في مهب العاصفة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

في مهب العاصفة
مقدمة
كان هناك نوع من المفارقة أن أجد نفسي كاتباً صحفياً ملتزماً بمقال أسبوعي على الصفحة الأولى من جريدة يومية، جريدة "السفير" التي أصبحت منذ أن صدرت حاجة يومية لجيلنا.
كانت المفارقة مركبة من عدة عناصر، أولها الالتزام بوقت محدد كل أسبوع لنشر المقال علماً بأنني ما كنت أحب عندما كنت رئيس تحرير جريدة المستقبل إلا أن أكتب المطولات التي تصلح لصفحة فكرية أكثر مما تصلح لافتتاحية على الصفحة الأولى، كان افتتاحياتي تبدأ على الصفحة الأولى وتملأ إحدى الصفحات الداخلية، ولم أكن التزم بموعد محدد. ثاني هذه العناصر إنني لم أكن واثقاً أن هذا النوع من الافتتاحيات التي أكتبها للسفير، حتى ولو كانت محدودة في عدد الكلمات، ستلاقي ترحاباً لدى القراء. وبالتأكيد انتقدني عدد من مهنيي الصحافة الذين اعتادوا أن تكون الافتتاحية تعليقاً سريعاً دون التطرق إلى مواضيع تعتبر نظرية أو ثقافية. ثالث هذه العناصر إنني كنت أعتبر نفسي ممتهناً للقراءة لا للكتابة. أذكر أنه في بداية تجربتي في الكتابة، عندما طلبت ذلك من قيادة الحزب في بداية السبعينات فعلت ذلك نزولاً عند حكم الضرورة، إذ لم أكن أعتبر نفسي كاتباً، وكنت لا أحب القيود والقواعد التي تفرضها الكتابة على صاحبها. حتى في علاقتي بمجلة الاجتهاد، تمويلاً الكتابة، كنت أقوم بذلك عندما يطلب مني فقط.
لكن الكتابة، بالنسبة لي، التزام فكري وسياسي. هي، كما أحب أن أمارسها، تعبير عن هموم وهواجس تتعلق بمجتمعنا وأمتنا ودولتنا وسيرورة كل منها. لذلك جاءت هذه المقالات حصيلة نقاشات يومية، بين الخامسة والثامنة مساء في أحد ثلاثة مقاهٍ في بيروت بين ثلاثة أشخاص، كنت أحدهم، إلى جانب الصديق أحمد الغز وصديق آخر. بالطبع كان ينضم إلينا آخرون حسب الظروف. لكننا كنا الثلاثة المداومين حتى إن أحد الطارئين على الجلسات سماها "طاولة الاستقرار". كانت النقاشات حامية في معظم الأحيان، وكانت الاختلافات في الرأي هي السمة الغالبة. لكن الأفكار كانت تطرح على الطاولة، بما فيها عناوين المقالات. لا يبخس من شأن الكاتب أن تكون الكتابة علاقة مع الآخرين أكثر مما هي تأمل بين الفرد وذاته. أعرف أن هذا الكلام يزعج الصديق أحمد الغزّ الذي يعطي الأولوية للكامل، بالإضافة للمتابعة، بكل تأكيد. وهو مدون بأنه متابع مواظب للأحداث المحلية والعربية والدولية. لكن كل ذلك لا يعنيني من المسؤولية، فأنا أؤكد مسؤليتي بالكامل عن كل ما ورد في هذه المقالات من أولها إلى آخرها.
لا أعطي أهمية للإبداع، ربما لأنني لست مبدعاً. أفضل وجهة نظر الجاحظ الذي اعتبر أن الأفكار مرمية في الطريق، وما على الكاتب سوى التقاطها وترتيبها، أي صياغتها. واعتبر في الكتابة الملتزمة، إن على الكاتب أن يعبّر عن همومه وهواجسه، وعلى همومه وهواجسه أن تكون لعبته بحاجات المجتمع ووجدانه ورغباته. لذلك اعتبر الكتابة علاقة اجتماعية سياسية أكثر من أي شيء آخر يتوجب أن تكون الكتابة نابعة من مخزونٍ ثقافي ومن جهة في تتبع مجريات العالم وثقافته. لا نستطيع الإدعاء بالالتزام بأمتنا ومجتمعنا دون الانخراط في العالم. هذه أساساً كانت دعوتنا في مجلة الاجتهاد: الانخراط في العالم. وما اعتبرت يوماً إلا أن الثقافة العالمية تشمل ثقافتنا نحن وثقافة غيرنا من الأمم، حتى ولو كان الاسم الذي يطلق على الكتابة العالمية اليوم هو إنها الثقافة التربية.
الانخراط في العالم هو طريق الأمم إلى التقدم. إن المجتمعات التي تعزل نفسها ثقافياً إنّما تحكم على نفسها بالتراجع والانهيار. وما انتشار الأفكار والبرامج السياسية الداعية للتأكيد على الهوية كبديل عن الانفتاح الثقافي، والتي تنتهي في غالب الأحيان إلى لا شيء أكثر من التأكيد على الهوية، فتخلو من الأفكار والبرامج الاجتماعية والسياسية ومشاريع بناء الدولة وتحقيق تماسك المجتمع، هذه الأفكار ليست إلا بعض مظاهر الهزيمة ونتائجها، وهي ليست في نظري قاعدة انطلاق للتحرر والنقد. وهنا أريد التنويه بأنني ما اعتبرت يوماً أن الحداثة شرط للتقدم، بل بالعكس، اعتبر التقدم شرطاً للحداثة والتحرر والتنمية بما فيها الديمقراطية. السياسة هي شرط في عدادها. والسياسة تتعلق بالوعي والإرادة والسعي والعمل والإنتاج ، تتعلق قبل كل شيء بتحقيق علاقات سوية في المجتمع، علاقات تطلق العزم وتحقق الإرادة.
أما الذين يعتبرون الحداثة شرطاً لما عداها، فهم في الحقيقة يعتبرون تأخر مجتمعاتنا أمراً ناتجاً عن البنى الثقافية والحضارية، البنى الموروثة تاريخياً، البنى التي تكب الناس وتحول بينهم وبين التقدم. أكره وضع الملامة على مجتمعنا وعلى تاريخنا، كما أرفض إسقاط الحاضر على الماضي، ولا أعتقد أن سلوكنا الراهن يقرره موروثنا الثقافي، وأؤمن بضرورة التجاوز للموروث الثقافي. يحصل التجاوز كجزء من حركة التاريخ، إذ تتغير أوضاع كل مجتمع موضوعياً، وسواء شئنا أم أبينا. مهمتنا أن نمارس السياسة بمعناها الأشمل والأسمى. ليس فقط من أجل التجاوز، بل من أجل أن تأتي التغيرات، التي تحصل يومياً، والتي ستحدث حكماً، لصالح الناس ملبية لحاجاتهم ورغباتهم.