أنت هنا

قراءة كتاب من أجل الجمهورية الثالثة في لبنان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من أجل الجمهورية الثالثة في لبنان

من أجل الجمهورية الثالثة في لبنان

كتاب " من أجل الجمهورية الثالثة في لبنان " ، تأليف منير قرم ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

دولة القانون والطائفية، قضيّة الأولويّة

«لبنان نموذج الديمقراطية التوافقيّة، لا سيما بالاستناد إلى نظامه السياسي الطائفي»: هذه الحقيقة التي تتناقلها الأسماع ليست بمثابة مسلّمة أبدًا. فلدى تفحصنا للدستور اللبناني، يتبيّن لنا أن النظام الطائفي لا هو بالنموذج المثالي ولا هو بالغاية الأخيرة التي ستؤول إليها الأمور. فهو ليس بأكثر من وسيلة، بل انعطافة مؤسفة على طريق الديمقراطية الكاملة المنشودة لتوخي حالة السيادة الوطنية. إذًا، على خلاف ما تذهب إليه الأسطورة الوطنية اللبنانية، فإن اتفاق الطائف والدستور اللبناني لا يتبنيان بشكل واضح النظام الطائفي. فإن تنظيماتٍ أساسية في النص ترعى مبادئ دولة القانون: مساواة المواطنين أمام القانون وفي الوظائف العامة، وفي التمثيل النيابي للسيادة الوطنية، إلخ. جميعها مبادئ لا تتكيّف مع مبدأ آخر أساسي ألا وهو مبدأ مع وجود أجسام وسيطة، أو حقوقٍ متمايزة، أو سيادة مرهونة بوجود قانوني لطوائف الحق العام. بل وعلى العكس، يشيد النص بالميثاق الوطني (أو ما سمّي بـ»ميثاق العيش المشترك»)، أساس الاستقلال وبالقدر نفسه أساس الطائفيّة، كمبدأ دستوري.

دولة القانون، تأكيد راسخ في الدستور

تعرض مقدّمة الدستور الخطوط العريضة لصيغة التوافق اللبناني. وهي تتصف غالبًا بالديمقراطيّة، وفقًا للمعنى الأصلي للمصطلح وعلى هدي التقليد الإنسانوي الأوروبي الذي تبلور نتيجة تطوّر بطيء أو أحيانًا نتيجة تبدّل مسار بطريقة مفاجئة، منذ الـ Magna Carta (9) وحتى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. وتندرج بمعظمها في إطار سياسي ليبرالي، ذي تأثيراتٍ أنكلوساكسونية في بادئ الأمر (الثورات الإنكليزية عامي 1215 و1688، وكتابات هوبس وهيوم ولوك التي تابع سياقها في ما بعد الدستوريون الأميركيّون غداة استقلال الولايات المتحدة الأميركية عام 1776 – هاملتون، جيفرسون...)، ثم فرنسيّة (فلسفة الأنوار مع روسو، فولتير، ديدرو، طوقفيل، إلخ. ما قبل مراحل الثورة الفرنسية الممتدّة من عام 1789 ولغاية العام 1799).

وقد أفضى هذا التيار الفكري، في الفلسفة السياسة، وبشكلٍ ممنهج منذ انحسار الإديولوجيا الشيوعيّة، إلى إقرار المفهوم الأساسي والشامل لدولة القانون. في مجال القانون الدستوري، يتمظهر هذا المفهوم من خلال عدّة مبادئ تشكّل رأس هرم القواعد القانونية الناظمة.

إن هرميّة تلك القواعد هي المؤسِّسة لدولة القانون، التي أتت نتيجة ثورات التحرّر: الشعب، سيّد نفسه، هو المقرّر عبر الاقتراع المباشر referendum)) أو بواسطة ممثليه (الجمعيّة المؤلفة من نوّاب) لاعتماد نص يشكّل من جهة قاعدة المبادئ الأساسيّة للنظام السياسي الحاكم ويرعى من جهة أخرى آليات انتظام عمل السلطات. هذا النص، الدستور، يصبح إذ ذاك القاعدة الأساسية للنظام السياسي والقانون الأرفع شأنًا على ما عداه من قوانين: فلا تستوي قوانين يصوّت عليها النواب في حال كانت مناقضة للدستور، ولا يتخذ أي وزير إجراءات وقرارات ومراسيم تتعارض مع أحكام الدستور ومندرجاته، فتشاد هرميّة قانونيّة والدستور على قمّتها. وهذا المبدأ هو العنوان لدولة القانون. ومقدّمة الدستور هي الأخرى في الصدارة: إذ تحدّد المبادئ الأساسيّة للحياة المشتركة(10) . ويكون المجلس الدستوري (كما سنشاهد لاحقًا) الضامن لاحترام تلك الهرميّة بتتبع أي قانون أو نظام يتعارض مع الدستور، فله سلطة إبطال القانون المذكور وإن صدر بتشريع من مجلس النواب أو بإبطال حتى مرسوم الوزير(11). إن جميع هذه المبادئ تنحو نحو هدفٍ موحّد: ألا وهو عدم انصياع مجموع المواطنين لقرارات تعسّفية تصدرها السلطة. وعلى سبيل محاربة هذا التعسّف، تلحظ دولة القانون مجموعةً من المبادئ الأساسيّة: كمساواة المواطنين أمام القانون، وحرية اختيار ممثليهم، عدم رجعيّة القوانين الجزائيّة، إلخ.

الصفحات