أنت هنا

قراءة كتاب التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية

التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية

كتاب "التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية"، للكاتب أحمد هني، ترجمة ميشال كرم، الاسلاموية السياسية، الناطقة الجديدة بلسان "المحرومين"، لا تهاجم الملكية والقدرة السياسية التي تنبثق منها، بل تهاجم السيادة والحكم ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

العالم الإسلامي:بؤس كبير وبحبوحة صغيرة

إذا بدا العالم الإسلامي اليوم مهيباً من حيث عدد سكانه، فإن وزنه صغير في الإنتاج العالمي وفي تداول الثروات. إن معطيات الأمم المتحدة تعطي عنه صورة أكثر بؤساً منها عظمة. لماذا، والحالة هذه، أفلحت الإيديولوجيا الإسلاموية الجذرية في إقناع أنصارها بأن أفق استهلاك ريعي أمر ممكن؟ لأن هذه الإيديولوجيا وُلدت، أغلب الأحيان، وتطورت في البلدان النفطية العربية. لذا يحسن بنا أن نميز بين البلدان النفطية، العربية في الغالب، حيث تعيش قلة من الناس في بحبوحة كبيرة، وبين البلدان الأخرى حيث تعيش الكثرة العظمى في البؤس.
إذا نظرنا إلى البلدان الإسلامية الرئيسية (عدا العراق والصومال اللذين لا يوجد أي معطى موثوق عنهما، وأضفنا نيجيريا المسلمة رسمياً)، فإن أحدث المعطيات (2005) تسمح برؤية تناقض بين إيديولوجيا إسلاموية استهلاكية وعالم إسلامي يحتاج إلى الإنتاج قبل أي شيء. لذلك فإنَّ الإيديولوجيا السياسية الإسلاموية، غير المبالية بواجب التحذير الذي يمكن أن يوجد في كل مكان آخر، تبدو مزدهرة بصورة أساسية في البلدان النفطية ـ البلدان النفطية العربية، إيران، نيجيريا، أندونيسيا. والجدول التالي يتيح رؤية المفارقة المدهشة بين البلدان النفطية الإسلامية وغيرها.
البلدان النفطية التي تضم 46% من سكان البلدان الإسلامية المدرجة هنا تحوز على 60% من الناتج المعبّر عنه بالدولار. وفي داخل هذه المجموعة تبرز بلدان شبه الجزيرة العربية بوضوح من حيث قلة عدد سكانها وارتفاع ناتجها، وهي الوحيدة التي تتجاوز عتبة العشرة آلاف دولار بمعدل الفرد في السنة. أما المجموع فيتسم بتفاوت كبير بين اليمن ذات الناتج السنوي بمعدل الفرد الذي يبلغ 870 دولاراً، والإمارات العربية المتحدة التي تسجل 500.22 دولار كناتج سنوي بمعدل الفرد، وهو المستوى الأقرب إلى مستوى الولايات المتحدة.
إن وضع العالم الإسلامي بالنسبة إلى مجمل العالم يظهر مفارقة مدهشة بين وزنه الديمغرافي (027.1 مليون من أصل 255.6، أي 16% من سكان العالم) ووزنه الاقتصادي (230.1 مليار دولار من أصل 000.32 مليار دولار، أي 3% من الاقتصاد العالمي). وإذا طرحنا النفط لبقي الوزن الديمغرافي على حاله تقريباً لكن الوزن الاقتصادي يتدنى إلى 1.5%. يدل هذا، باستثناء تركيا، على ضآلة أهمية الاقتصاد الإنتاجي في الأصقاع الإسلامية ـ بدون نفط، تنتج تركيا مقدار ما تنتجه العربية السعودية النفطية. باختصار، إن الطموح الإسلاموي إلى هيمنة ما، في حال وجوده، لا يرتكز إلا على فراغ.
تبين هذه المعطيات أن محرك الإيديولوجيا الإسلاموية الجذرية لا يستند إلى شيء في الحالة الموضوعية لمجمل البلدان الإسلامية، وإن هذه الإيديولوجيا لا تستوحي، بوصفها أفق اقتسام أكثر عدلاً للاستهلاك، سوى الحالة الأقلوية لبلدان نفطية قليلة عدد السكان وتستطيع أن تستهلك دون أن تنتج. وبحسب هذه الإيديولوجيا، فإن الـ 16% من سكان العالم هؤلاء، والذين يحوزون 3% من الثروة العالمية، يحق لهم المطالبة بإعادة التوزيع. فالسراب هو الاعتقاد بأن عدم إعادة التوزيع مرده إلى «اختلاس» الثروات النفطية، وهنا تبرز مركزية مسألة السيادة السياسية في الإسلاموية السياسية. والحال أن البلدان النفطية بالذات لا تؤمن سوى ثروة وسطية تساوي 600.1 دولار للفرد سنوياً، لأن بينها بلداناً كثيفة السكان ـ أندونيسيا، نيجيريا، إيران، الجزائر، العراق. أما مجموع البلدان الإسلامية فلا يؤمن سوى ثروة سنوية بمعدل الفرد، بما فيه النفط، تساوي 200.1 دولار فقط. هذا يعنى أنه بمعزل عن مشاكل الاقتسام غير المتساوي للموارد النفطية، فمن الثابت أن البلدان الإسلامية، حتى لو «استعادت» مالها النفطي بكامله، لن تستطيع أن تؤمن لسكانها سوى مستوى عيش وسطي أكثر بؤساً أيضاً (200.1 دولار) فيما أن المستوى العالمي الأضعف هو 520 (سيراليون) والأعلى أكثر من 000.60 دولار (لوكسمبورغ). الواقع هو أن البلدان الإسلامية النفطية تحصّل مالها وتحوله إلى منتجات استهلاكية لا تنتجها هي (منتجات غذائية خصوصاً). كيف تجري إعادة توزيع هذا المال وكيف تفيد منه مختلف فئات السكان؟ هذه مسألة أخرى.
إن البلدان النفطية، فضلاً عن كونها ذات نشاط صناعي هامشي، تبقى عاجزة عن تغذية سكانها، إذ أنها تكتفي بتحويل عائدات تصدير النفط إلى مستوردات استهلاكية، راسمة لنفسها بذلك صورة بلدان «باركتها الآلهة» أو على الأصح اللَّه ، لكنها مرهونة تماماً للخارج. فلولا النفط لما كانت شيئاً، لكن، خصوصاً، لولا مال هذا النفط لما استطاعت حتى أن تتغذى. الإيديولوجيا الإسلاموية، المرتكزة على انطباعية دهمائية، تحاول الإيهام بأن هذا النفط ثروة أسطورية، يكفي أن يحسن المرء استخدام مواردها حتى يغرق السكان المسلمين في الاستهلاك الوفير.

الصفحات