أنت هنا

قراءة كتاب التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية

التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية

كتاب "التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية"، للكاتب أحمد هني، ترجمة ميشال كرم، الاسلاموية السياسية، الناطقة الجديدة بلسان "المحرومين"، لا تهاجم الملكية والقدرة السياسية التي تنبثق منها، بل تهاجم السيادة والحكم ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

الإسلاموية السياسية،الريوع الاستهلاكية والشرعية الحرفية الطقوسية

إن الإيديولوجيا الأصولية التي ازدهرت خلال السبعينيات والثمانينيات في البلدان النفطية الإسلامية لا تعرض أي مشروع للتنمية الاقتصادية بواسطة الإنتاج، وإنما هي تندرج فقط في تداول وإعادة توزيع الريوع النفطية. وهي تهدف بصورة أساسية، بواسطة شرعوية حرفية طقوسية، إلى إعادة تنظيم مجتمع المستهلكين، وبواسطة عقيدة ألفوية تاريخية، إلى استعادة الممارسة الاستهلاكية في الإمبراطورية المنقرضة. هذا الموقف نابع من متخيل يبعث الشواغل القديمة التي كانت تحرك المدينة الإمبراطورية الإسلامية المنقرضة، وفي الوقت ذاته، من غياب التساؤل عن مصدر الثروة ـ النفط، أو هبة من اللَّه. ولهذا، فهي لا ترفع من شأن الإنسان التقني بل القانوني، وأكثر منه القانوني الطقوسي الذي يحضرن الروايات العائدة إلى الإمبراطورية، وبكلمة، الإمام العالم.
إن الدليل الذي تقترحه الإيديولوجيا الإسلاموية المعاصرة لا يستهدف بصورة جوهرية إلا تصرفاتٍ في مجتمع ـ في فضاء عام بصورة رئيسية ـ تصرفاتٍ مرتبطة بالاستهلاك وحده (الغذاء، الملابس، العلاقات الجنسية). وهذه الرغبة في إعادة تنظيم المجتمع تصدم على الفور سيادة الدول القائمة. وهو لا يعارض البتة الملكية القائمة ولا أساليب إبراز قيمة هذه الملكية ـ أسلوب رأسمالي أو غير رأسمالي. ولا نجد في العقيدة الإسلاموية اهتماماً رئيسياً بالمنتجين.
مسألة اللباس هي الأكثر مسرحية مع أنها الأقل جوهرية. فاللباس يعبّر، فضلاً عن رغبة في التمايز، عن عقيدة ألفوية مضادة لانضباط المعمل: ثوب طويل للرجل والمرأة، لون أبيض، قلنسوة للذكور وحجاب للإناث، وفي البلدان الحارة، صندل أو خف. وتترجَم معاكسة أساليب المجتمعات المصنعية بالعودة إلى ممارسة تبرج الرجال (الكحل) وحظره على النساء، كما يوصى بإرخاء اللحية. استعمال السبحة يدل على التقوى. فالمضيف يستقبل ضيوفه غالباً والسبحة في يده، كما يتحدث وهو يسلسل حباتها بصورة آلية.
هذه الفروض لا تمليها الضرورات الصناعية للعمل في المصنع أو المكتب، وإنما هي فقط وليدة العودة الشرعوية إلى «النصوص» الأساسية وإلى حضرنة نمط للاستهلاك يُفترض أنه صنع مجد الإسلام. لا وجود في أي مكان لإشارة إلى حُرصٍ على حضرنة أنماط سابقة للعمل. وهناك مناقشات بيزنطية تغذيها في الغالب أسئلة يطرحها مستمعون أو قراء حول هذه المواضيع وتجتاح وسائل الإعلام. وتقوم سجالات، ليس حول خير وسيلة لوضع تشريع للعمل مثلاً، بل حول طول اللباس وما إذا كان يجب أن يغطي الرسغ، أو حول تحليل استعمال العطر... يستضيف التلفزيون مرجعيات علمية لمناقشة هذه المسائل.
وفي كل سنة، تثير طقوس الصوم (شهر رمضان) والحج سيلاً جارفاً من التفسيرات الشرعوية تصدر عن المرجعيات إياها، وتكون مناسبة للتعبير عن رفض سيادة الأمير. وإذا قررت الدولة اعتماد التقويم الفلكي العالمي لتحديد أول وآخر يوم من شهر رمضان القمري، يعترض بعض الأصوليين متسلحين بحرفية النصوص الشرعية الأساسية ويدعون إلى احترام التقليد الذي يقضي بالتماس الهلال لتعيين بدء الصوم. فينقسم المجتمع، فيصوم بعضهم يوماً قبل أو بعد الآخرين ولا يحتفلون بعيد الفطر في اليوم إياه. كيف يمكن لهذا أن يساعد في صناعة القدرة الإنتاجية وفي إيجاد حلول للجوع الذي يعاني منه المسلمون؟ لكن الأمر الجوهري، كما نرى، هو الطعن بسيادة الدولة.
وعلى الحياة المدنية أن تنتظم مجدداً، بتواطؤ السلطات الفاسدة غالباً، حول عيد للاستهلاك بعد انتهاء الصوم: نفقات متباهية، مساجد مشعشعة في الليل، مناقشات دينية في وسائل الإعلام، صلوات ليلية متأخرة، إلخ. فالإنسان التقي، في المجتمعات النفطية، يفطر عند مغيب الشمس، لأنه لم يعد ملزماً بالنهوض عند الساعة الرابعة في اليوم التالي ليبدأ نهاراً متعباً، ثم يبدل ثيابه كي «يخرج» مساءً إلى المسجد. هذا نمط عيش مركز إمبراطوري ذي استهلاك ريعي، وانبعاث لبغداد ألف ليلة وليلة .
من النادر أن تربط مشكلة الصوم بالإنتاج. فالمطلوب خصوصاً معرفة ما إذا كان يحق للصائم أن ينظف أسنانه صباحاً بمعجون الأسنان. ويتيح الاستماع إلى وسائل الإعلام وقراءة الصحف إحصاء ألف تفصيل من هذا النوع يدور حوله نقاش في الساحة العامة. بالطبع، عند مغيب الشمس يعود كل شخص إلى بيته لأجل الإفطار وتمسي المدينة قفراً. وإقدام الفرد على التضحية بساعة تناول الطعام أمر غير موجود. والعلاقة التناقضية القمعية لا تُعتبر استغلالاً في الإنتاج، بل مانعاً للمشاركة في هذا العمل العام الذي هو، في تلك الساعة، الاستهلاك الكبير.
وتجري في حلقات أكثر ضيقاً مناقشات قانونية جدية لمعرفة ما إذا كان مباحاً إجراء زرع للأعضاء، أو تشريح للجثث (ليس وارداً حتى الآن إحراق الجثث، فهو من المحرمات إطلاقاً).

الصفحات