كتاب "التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية"، للكاتب أحمد هني، ترجمة ميشال كرم، الاسلاموية السياسية، الناطقة الجديدة بلسان "المحرومين"، لا تهاجم الملكية والقدرة السياسية التي تنبثق منها، بل تهاجم السيادة والحكم ا
أنت هنا
قراءة كتاب التناذر الاسلاموي وتحولات الرأسمالية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المساواتية الإمبراطورية
إن رفض تراتبيات المنعزل الإنتاجية الطبيعانية، وممارسة غنم تجاري مرتبط بالسيادة على الطرق التجارية والمراكز الإنتاجية، يستمد شرعيته من رسالة كونية لاستيعاب الخارج؛ فالانطواء على الذات لا يمكن أن يسمح بتحقيق أنسنة الجميع (روما).
القاعدة العامة هي مساواة مؤسّسية مباشرة مضادة لكل تراتب طبيعاني؛ فصيغ أساليب الاستثمار تقوم على تحاشي علاقة الغنم المباشرة بإمرة العمل وتفويض ممارسته كي يغدو علاقة اقتطاع ذات طراز نقدي وضريبي. نلاحظ هذا في كل الإمبراطوريات، المراكز العالمية للاستهلاك. إن روما سباقة في القانون الذي يشرع الغنم السيادي. وغلبة رجل القانون على رجل التقنية تحصل كلما تقدم مجتمع ما نحو مكانة مركز استهلاكي. التقني هو المهيمن في رأسمالية الإنتاج المادي، أما الحقوقي فهو المهيمن في رأسمالية الريع الراهنة. إن المركز الاستهلاكي، إذ يفوض العلاقات الإنتاجية التضادية إلى الغير الخارجي، يميل، من جهة، إلى «إلغاء أنظمة» العمل الذي لا يعود عملاً صناعياً، وإلى إنتاج مجموعة وفيرة من النصوص القانونية التي تسوس العلاقات المدنية التي تدور حول الاستهلاك والتداول النقدي، ومن جهة أخرى، إلى الانزلاق من تراتبية طبيعانية تنص على تفاوت الناس إلى مساواة مباشرة في الاستهلاك حيث تعلو حقوق الإنسان على حق العمل، وحيث تنحلّ النخبة في امتثالية كالرأي العام. إن هذه النخبة بالذات، لم تعد، حسبما نراها في ذاك المركز الاستهلاكي العالمي الذي صارته الولايات المتحدة، مكونة من مهندسين بناة بل من مديرين وقانونيين.
لقد أكثر الفقهاء الإسلاميون، من جهة أخرى، من وضع صيغ التملص من الإمرة التضادية المباشرة، فحولوها شكلياً إلى عقد شراكة كلما أتيح لهم ذلك (17). فالتشريع الإسلامي ينظم أشكالاً متعددة من المشاركة في الإنتاج أو التجارة (من المزارعة إلى الشراكة الدقيقة)، لكنه لا ينطق بكلمة عن العمل المأمور (18). إن المراكز الاستهلاكية تطور اليوم صيغاً للشراكة مع المراكز الإنتاجية (مؤسسات مشتركة)، وتأخذ حصصاً في المؤسسات وتتحاشى أن تكون أربابها التنفيذيين، متهربة بذلك من العلاقة التضادية المباشرة مع الشغيلة.
المبدأ الرئيسي المطبق في هذا الطراز المديني هو إحداث اقتطاع ذي طراز شبه ضريبي من نتيجة منتجين تُرك لهم استقلالهم في كيفية عملهم. والقاعدة هي ذاتها بالنسبة إلى الجماعات غير المواطنية العائشة داخل المدينة وبالنسبة إلى الجماعات الخارجية الخاضعة للجزية. فحرية الأجنبي تعطى لقاء دفع ضريبة. باختصار، إن المبدأ الضريبي ومبدأ الاستقلال يعملان معاً. ويتبدى هذا النوع من الاقتطاع كتعبيرٍ عن سيادة على الناس وعلى الوسائل أكثر منه تعبيراً عن تملك هؤلاء الناس وهذه الوسائل. فالولايات المتحدة اليوم تؤثر أن تعمل مع بلدان حرة، والمؤسسات الكبيرة تثري عن طريق جعل آخرين ينتجون تاركة لهم ملكية وسائل إنتاجهم (المقاولة الثانوية العالمية). وفي هذه الحال، فإن الصيغ القانونية التي تسوس الاقتطاعات هي التي تتقدم اجتماعياً على سبل ووسائل تملك الناس أو تملك الطبيعة. على هذا النحو، تتأسس صدارة لرجل القانون على رجل التقنية. المتعلمون أكثر اهتماماً بتنظيم المدينة منهم بتحويل المادة. والتقنية (بمعنى المهارة) قانونية قبل أن تكون ميكانيكية. ولفظة (عمل) العربية كانت تعني الممارسة القانونية قبل أي شيء، ثم تطور معناها فصارت تدل اليوم على العمل بصورة عامة.
هذه المهارة (العلم) لا تتوخى إيجاد السبل والوسائل لإنتاج المزيد وإنما لتحسين تنظيم المدينة وتحديد الترتيب البشري الذي يؤمّن، على خير وجه، اندماج كل فرد في شعب. في مثل هذا الترتيب لا تكون دوائر الحق الخاص (ميادين الملكية) مصدر الحق العام. فالحق العام يتقدم على الحق الخاص، وممارسة الاختلاف لها ثمن يُدفع، وناتج هذه الضريبة يسهم بإعادة توزيعه في تآلف الكل . إنَّ الفرد يشتري استقلاله الذاتي بدفع ضريبة، وعليه، فإن التشكل الإمبراطوري لا يتدخل في دائرته الخاصة ولا ينتظر منه سوى ضريبة عامة وامتثالية عامة. إنه شيء عام ، شعب من أفراد مقيدين بعقد مشترك وليس جماعياً عضوياً.
إن العولمة الراهنة ترتكز على هذا المبدأ: بلدان حرة مقيدة بعقد مشترك تضمنه سيادة إمبراطورية.