أنت هنا

قراءة كتاب النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

كتاب " النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني " ، تأليف فطنة بن ضالي ، والذي صدر عن دار العنقاء للنشر والتوزيع والدعاية والإعلان عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

وجه الدكتور صلاح فضل مجموعة من الانتقادات في هذا النص، إلى البلاغة العربية القديمة، بما فيها دراسات عبد القاهر الجرجاني، وهذه الانتقادات هي:

· التعقيد والتصنيف وعدم تناول الإنتاج الأدبي في واقعه الاجتماعي.

· انفصام القواعد البلاغية عن التجربة الإبداعية، وذلك بتقديمها فروضا منطقية قبلية.

· البعد عن الطابع الكلي والشامل في تقديم تفسير للتجربة الإبداعية والاكتفاء باختيار الشواهد المنتقاة.

· الخلط بين أنواع النصوص:النص المقدس، النص الشعري، النص النثري، وإرجاعها في الدراسة إلى مستوى واحد.

يشير الدكتور عز الدين الذهبي إلى أن الدراسات اللغوية والنحوية والبلاغية، التي اشتغلت على النصوص المختلفة المستوى والنوع، جعلت النحاة يقفون في تناولهم لبعض الظواهر الأسلوبية مواقف دفاعية في بعض الأحيان. يقول: « فقد اشتغل النحو على اللغة، مثلما اشتغل على القرآن والشعر، دون تمييز منهجي، بين نظام اللغة ونظام النص. ينطبق نظام اللغة على كل النصوص، ولكن نظام نص بليغ لا ينطبق إلا عليه، ويبقى مطلق التفرد للنص القرآني في هذا الباب، كما في كل باب.

ينزع النص البليغ نحو الخروج عن المألوف والمعتاد، والإتيان بالغريب والمدهش، تارة بتقوية قواعد المعيار، وتارة أخرى بانتهاك تلك القواعد. ولم يكن بوسع النحاة أن يضعوا هذا في حسبانهم، لقد جاء عملهم مطبوعا بهاجس الرد على خصوم القرآن، أولئك الذين رأوا في الانزياح الأسلوبي أخطاء وأغاليط، وبذلك أوقعوا النحاة في موقف دفاعي غايته التبرير، والواقع أن الانزياح الأسلوبي في القرآن يدعو إلى المباهاة، ويحمل على إعجاب منقطع النظير.»([4])

نجد أنفسنا أمام الإشكالات التي تقتضي الفصل المنهجي في الدراسة بين النصوص، وهي أن نظام اللغة يسري على كل النصوص، أما نظام النص فهو خاص به وحده، مع ما أضافه الأستاذ عباس ارحيلة من كون الهم الشاغل للعلماء المهتمين بالدراسات الإعجازية حتى القرن الرابع الهجري، هو إثبات انتماء نص غاية في الجمال إلى اللغة العربية. وإذا كانت الدراسات العربية تبحث عن الشاهد للانزياحات في نص آخر، هو النص الشعري والإبداعي والأدبي بصفة عامة، فان النص القرآني ظل نصا غنيا يغذي كل المستويات الأدبية والبلاغية، فمن أجل تفسيره قننت اللغة، ووجدت البلاغة، وفسر الجمال، وظل مدار العلوم كلها في جميع مستوياته النحوية والبلاغية والفكرية.

معنى هذا أن النحو والبلاغة في هذه الفترة؛ عِلمان من العلوم المتسقة في المنظومة العلمية المستوفية لدرجة كبيرة من شروط العلم القديم، كما يذهب إلى ذلك الدكتور صلاح فضل، حيث يقول: « يقول البلاغيون الجدد من المهم توضيح مظهر جوهري في عملية فك شفرة الشكل البلاغي عموما، وهو ما أشار إليه (ريكور) من أننا نضع درجة الصفر ـ التي نقيس عليها انحراف هذا الشكل ـ في منطقه خارج اللغة، وهذا يعني أن القراء أو المتلقين يتخذون موقفا شعوريا، وغير شعوري في الآن ذاته.»([5])

ولعل المستوى النحوي، التركيبي، والدلالي الذي يبدأ به الجرجاني وغيره من النحاة في نحو الجملة يمكن اعتباره الخط الذي ينزاح عنه النحو من المعيارية إلى شيء آخر في التعبير، أي من أدنى درجات التعبيـر المتواضع عليها في اللغة والتواصل، إلى درجات عليا أكثر تعقيدا، حيث تتخلى الجملة أو النص عن القواعد النمطية إلى قواعد أخرى هي قواعد النص التي لا تنطبق إلا عليه، كما يشير إلى ذلك الدكتور عز الدين الذهبي، إذ يجب أن: « يقرأ الانزياح الأسلوبي باعتباره خطأ أحدث عن قصد لغاية جمالية. وبعبارة أخرى لتوليد معنى دقيق لا يأتي باتباع القواعد النمطية. اتسم منهج النحاة ب "تصويب" الانزياح أي بنفيه. وذلك بتعميمه في اللغة، أو بتعويمه في منظومة التصورات والافتراضات المتعلقة بصناعتهم وبذلك أهدروا قيمته، وألقوا على النحو أعباء إضافية فعقدوا مهمته.»([6])، في حين أن النص القرآني مطلق التفرد، وجدير بنا «قراءة الانزياح قراءة أسلوبية تضع الظاهرة في الإطار الشمولي للنص القرآني، وتحللها في نطاق السياق الذي جاءت فيه، من أجل الاقتراب من كنه معانيها، وجلال جمالها.»([7])

ويذهب نصر حامد أبو زيد في تقديم كتابه "إشكالية القراءة وآليات التأويل"، إلى أن الدراسات المتفرقة والمتعددة المجالات والاتجاهات في التراث لا تلغي وحدتها الشمولية، وذلك باكتشاف الروابط الخفية بين مجالات الفكر وصولا إلى وحدته، وكذلـك حال الدراسات القديمة :« فقد تعددت المجالات التي تتناول هذه الدراسات بين "اللغة" و "النقد" و"البلاغة" و"العلوم الدينية". ولما كان هذا التعدد والتنوع لا ينفي الوحدة في إطارها العام، فقد كانت هذه الدراسات بمثابة "تجارب" جزئية متنوعة تهدف إلى اكتشاف الروابط الخفية بين مجالات الفكر التراثي وصولا إلى وحدته. ولعل أهم النتائج التي يمكن تلمسها من هذه "الدراسات" أن التراث منظومة فكرية واحدة تتجلى في أنماط وأنساق جزئية متغايرة في كل مجال معرفي خاص ».([8])

يبدو من كلام نصر حامد أبي زيد أن التراث يجب أ ن يقرأ في وحدته الشمولية، أي في سياق المجالات المكونة أو الموجهة لإطاره العام والمتمثلة في إنجازات اللغويين والفقهاء، والمحدثين والمتكلمين والبلاغيين، ولا تعدو دراسة عبد القاهر الجرجاني إلا أن تكون لبنة من هذه اللبنات المكونة لهذا الفكر، وهي مستوى آخر من مستويات الدراسة. إذ، « ليس من عادة النحاة، ولا من مهام النحو المراقبة الدقيقة للتنويعات، في إطار التصنيف الواحد، بهدف استثمار الاختلافات بينها لأغراض أسلوبية. وعند النحو لا فضل لصواب على صواب، ومتى صحت الوجوه فهي ذات قيمة واحدة، وإذا حصلت مفاضلة فهي في اتجاه الأسفل، بين الصواب من جهة، والشاذ والقبيح من جهة أخرى »([9]). معنى هذا أن النحو يظل مستوى أدنى في دراسة الجملة وما يطرأ عليها من تغييرات، ولا يتعداه إلى مستويات أخرى تظل من اختصاص علم آخر يهتم بتفسير وتعليل ظواهرها البلاغية والجمالية، أي، ما يكسب النص قيمة أخرى من مستوى آخر. ويضيف عز الدين الذهبي في حديثه عن بلاغة عبد القاهر الجرجاني: « إنه يعلو فوق مهام النحو، ويحلق في سماء النص الأدبي، تاركا أمر الصواب والخطأ للنحاة، وهو لا يأخذ عنهم سوى مقولاتهم ليعيد استخدامها بفهم جديد، يناسب المعرفة التي يعمل على ترسيخها.»([10]). ويؤكد كمال أبو ديب في "قراءة التراث النقدي": « أن للنص التراثي حضورين: حضورا (هناك) في تاريخه الخاص، في القرن الثالث أو الرابع أو الخامس للهجرة حين كتب ابن المعتز أو قدامة أو عبد القاهر في علاقات تاريخية محددة وفي شروط إنتاج معرفة معينة؛ وحضورا (هنا) في تاريخنا الخاص في القرن الخامس عشر للهجرة؛ حين نقرأ النص التراثي (هناك) وحضوره (هنا) هو(المركب) الثالث الذي يجمع بين طرفين لكل منهما على السواء».([11])

من هنا، يجب النظر إلى "دلائل الإعجاز" في شروط إنتاجه المعرفية، واعتبارا من كونه تراثا يلتقي فيه الديني بالبلاغي، والأدبي، إذ يقتضي فهم قضاياه أو بعضها بآليات التحليل الحديثة، استحضــار: « القضية في ذهن عبــد القاهر هي قضيــة (إعجاز القرآن) وهي قضية لا يقنع فيها عبد القاهر بآراء السابقين عليه، وهي آراء تراوحت بين رؤية الإعجاز في أمر خارج النص ذاته، ورؤيته في صدق أخباره عن الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وتقدير الإعجاز في بعض خصائص القرآن الأسلوبية والبلاغية، الإعجاز في رأي عبد القاهر كامن في النص ذاته، بل كامن في كل آية من آيات القرآن طالت أو قصرت. وهذا الإعجاز يمكن اكتشافه والوصول إليه في كل عصر، ولا تتوقف معرفته على العرب الذين كانوا معاصرين له.»([12])، ويحدد الجرجاني، لمعرفة الإعجاز، طريقة التدبر وإعمال الفكر والروية للوقوف على اللطائف والأسرار، وكشف الحجب بالتفسير والتعليل، وطلب الحجة والبرهان، فالدليل إليه دائما موجود، يقول: « وجملة الأمر أنه لا يرى النقص يدخل على صاحبه في ذلك، إلا من جهة نقصه في علم اللغة، لا يَعلم أن هاهنا دقائقَ وأسرارا طريقُ العلم بها الروية والفكر، ولطائف مستقاها العقل، وخصائص معان ينفرد بها قوم قد هُدوا إليها، ودُلّوا عليها، وكُشف لهم عنها، ورُفعت الحجب بينهم وبينها، وأنها السبب في أن عرضت المزية في الكلام، ووجب أن يفضُل بعضه بعضا وأن يبعد الشأوُ في ذلك، وتمتد الغاية ويعلُوَ المُرتقى، ويَعِز المطلبُ، حتى ينتهي الأمرُ إلى الإعجاز، وإلى أن يخرجَ من طوق البشر.» ([13])

يمكن الإشارة، في قول عبد القاهر الجرجاني إلى أن العلم باللغة وسيلة من وسائل فهم وتفسير آي الذكر الحكيم، والطريقة والمنهج إلى معرفته والعلم بأسرار النص الخفية والثاوية فيه، هي التدبر والتفكير من اجل إيضاح وكشف الحجب، وكل هذا لا يتأتى إلا بالعلم باللغة وأسرارها، والكلام يفضل بعضه بعضا، وإن تحققت المزية والجمالية فـيـه، فهي تتحقق بنسب مختلفة إلى أن يرتقي إلى درجة يصل فيها إلى الإعجاز وهي درجة النص القرآني الذي هو منبع السحر والإبهار حتى اخرس الفصحاء. وسلموا له بالفرادة في كليته تارة، وفي آياته آية آية تارة أخرى.

الصفحات