أنت هنا

قراءة كتاب النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

كتاب " النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني " ، تأليف فطنة بن ضالي ، والذي صدر عن دار العنقاء للنشر والتوزيع والدعاية والإعلان عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين﴾سورة الأنعام، الآية 143. أخرج اللفظ مخرجه إذا كان قد تبث تحريم في أحد الأشياء، تم أريد معرفة عين المحرم، مع أن المراد إنكار التحريم من أصله، ونفي أن يكون قد حرم مما ذكروا أنه محرم وذلك أن الكلام وضع على أ ن يجعل التحريم كأنـه قد كان، ثم يقال لهم: « "أخبرونا عن هذا التحريم الذي زعمتم، فيما هو؟ أفي هذا أم ذاك أم في الثالث؟" ليتبين بطلان قولهم، ويظهر مكان الفرية منهم على الله تعالى»([41])، أو أن تضع الكلام وضع من سلم أن ذلك قد كان، تم تطالبه ببيان وقته، طلبا لإقامة الحجة العقلية، والدليل على ما يدعونه، ومثاله تفسيره لقوله تعالى: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ سورة هود، الآية28، أنَّا لسنا بمثابة من يجيء منه هذا الإلزام، وأن غيرنا يفعله.([42])

وقد فسر قوله تعالى في تقديم الفعل وتقديم الاسم والفعل مضارع في الاستفهام وذلك أن تبدأ بالفعل، فتعمد إلى الإنكار فيه، وتزعم أنه لا ينبغي أن يكون، أو أن تبدأ بالاسم وتنكر عليه الفعل فانك تجعله ممن لا يكون منه الفعل: إما لعجزه عن ذلك، وإما أنه لا يجيء منه، وإما أنه يتعالى عن ذلك. وحلل الآية الكريمة: ﴿ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِين ﴾ سورة الزخرف، الآية 40. إذ المعنى فيه التمثيل والتشبيه، وأن ينزل الذي يظن بهم أنهم يسمعون أو أنه يستطيع إسماعهم، منزلة من يرى ويسمع الصم ويهدي العمي، ثم المعنى في تقديم الاسم وإن لم يقل "أتسمع الصم؟" بتنزيله منزلة من يستطيع ذلك، وتفسير الاستفهام الدال على الإنكار: إما أن يدعي القدرة على فعل لا يقدر عليه، وإما أنه هم بأن يفعل ما لا يستصوب فعله. واستشهد بقوله ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ سورة الأنعام، الآية 14، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ سورة الأنعام، الآية 40. في تفسير تقديم المفعول على الفعل وهو فعل لم يكن إذ جعل في الآية الأولى بالتقديم معنى قولك :"أيكون غير الله بمثابة أن يتخذ وليا؟ أو يرضى عاقل من نفسه أن يفعل ذلك؟ أيكون جهل أجهل وعمى أعمى من ذلك؟([43])، وعلى هذا فإن ذلك ضربين :

الأول: هو أن يكون "يفعل" بعد الهمزة لفعل لم يكن. ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ سورة يونس، الآية 99.

الثاني: هو أن يكون "يفعل" لفعل موجود فإن تقديم الاسم شبيها بما اقتضاه في الماضي، أن يقرّ أنه الفاعل والإنكار أن يكون الفاعل، كقوله تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ سورة الزخرف، الآية32.

ويعقد الجرجاني فصلا للتقديم والتأخير في النفي، يبين فيه:

ـ نفي فعل عنك لم يثبت أنه مفعول "ما فعلت".

ـ نفي فعل عنك ثبت أنه مفعول "ما أنا فعلت".

ـ وجوه تقديم المفعول وتأخيره: "ما زيدا ضربت" نفيت وقوع الضرب على زيد. ويبين أن في تقديم المفعول لا يجوز إذا نفيت الفعل عن المفعول أن تعقبه بإثبات فعل ضده: "ما ضربت زيدا، ولكني أكرمته". أما إذا نفيت فعلا عن مفعول بعينه فالواجب أن تثبته لمفعول آخر "ما ضربت زيدا ولكن عمرا" ويقاس عليه الجار والمجرور.([44])

والتقديم والتأخير في الخبر المثبت قسمان:

1- قسم ظاهر: الغاية منه إزالة اشتباه الفاعل عن السامع فتبينه وتعينه.

2- قسم خفي: يشك السامع في فاعله، فنزيل الشك عنه، وتمكنه الخبر في نفسه لفاعل واحد. والبين فيه قوله تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾ سورة الفرقان، الآية 3، وقوله: ﴿ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ﴾ سورة المائدة، الآية 61. ذلك أن قولهم: "آمنا" دعوى منهم أنهم لم يخرجوا بالكفر كما دخلوا به، فالموضع موضع تكذيب، "واتخذوا من دونه آلهة" ذلك أن عبادتهم لها تقتضي أن لا تكون مخلوقة.

ويفسر تقديم المحدث عنه الذي يفيد التنبيه والتحقيق في الآية ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ سورة الحج، الآية46، بأن التفسير بعد الإضمار يفيد التوكيد. يقول: « وجملة الأمر أنه ليس إعلامك الشيء بغثة غفلا، مثل إعلامك له بعد التنبيه عليه والتقدمة له، لأن ذلك يجري مجرى تكرير الإعلام في التأكيد والأحكام، ومن هاهنا قالوا: إن الشيء إذا أضمر ثم فسر كان ذلك أفخم له من أن يذكر من غير تقدمة إضمار.»([45])، ويضيف: «ويدل على صحة ما قالوه أنَّا نعلم ضرورة في قوله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾، سورة الحج، الاية 46فخامة وشرفا وروعة، لا نجد منها شيئا في قولنا: "فإن الأبصار لا تعمى"، وكذلك السبيل أبدا في كل كلام كان فيه ضمير قصة، فقوله: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾سورة المؤمنون، الآية 117، يفيد من القوة في نفي الفلاح عن الكافرين، ما لو قيل: "إن الكافرين لا يفلحون" لم يستفد ذلك، ولم يكن ذلك كذلك إلا لأنك تعلمه إياه من بعد تقدمة وتنبيه، أنت به في حكم من بدأ وأعاد ووطد ثم بنى ولوح وصرح. ولا يخفى مكان المزية فيما طريقه هذا الطريق »([46]). وأما تقديم الفعل مما لا يشك فيه السامع ولا ينكره، مع تقديم المتحدث عنه فإنه يحسن وضعه بعد واو الحال في صلة الكلام كأن تقول: «"جئته وقد ركب" والكلام البليغ هو أن تبدأ بالاسم وتبني الفعل عليه حيث لا يستقيم المعنى فيه إلا على هذا الوجه، ومنه قوله تعالى: ﴿ إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾سورة الأعراف، الآية196، وقوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾سورة الفرقان، الآية5، وقوله:﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾سورة النمل، الآية17، فإنه لا يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذلك بالفعل غير مبني على الاسم فقيل: "إن وليي الله الذي نزل الكتاب ويتولى الصالحين" و"اكتتبها فتملى عليه" و"حشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فيوزعون" لوجد اللفظ قد نبا عن المعنى، والمعنى قد زال عن صورته والحال التي ينبغـي أن يكون عليها ([47]). ويقتضي تقديم المحدث عنه والخبر منفي ما اقتضاه في المثبت في قوله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴾سورة المؤمنون، الآية59، ويفيد من التأكيد في نفي الإشراك عنهم، ما لو قيل: "والذين لا يشركون بربهم، أو بربهم لا يشركون" لم يفد ذلك.»([48]).

الصفحات