أنت هنا

قراءة كتاب حمى الاستهلاك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حمى الاستهلاك

حمى الاستهلاك

كتاب " حمى الاستهلاك " ، تأليف سحر سهيل المهايني العظم ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر  عام 2013 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر:
الصفحة رقم: 5

«برنامج الزائر العالمي» International visitor Program

كثيراً ما أشير في فصول «نحن والآخر في الميزان» إلى وقائع وأحداث عاينتها أثناء زيارتي لأمريكة عام 1996 ضمن مجموعة «برنامج الزائر العالمي» الذي يُنظم ويموّل من قبل المراكز الثقافية الأمريكية في أنحاء العالم.

تم اختياري ضمن مجموعة ضمت سبع رجال من دول عربية عدة، لأشارك في الحديث عن: دور الدين في أمريكة: The Role of Religion in America، شملت الزيارة خمس ولايات أمريكية، وتضمنت لقاءات مع أكاديميين ورجال دين وصحفيين وسياسيين وناشطين في مؤسسات مدنية، ورؤساءٍ لعديد من المراكز الدينية: اليهودية والمسيحية والإسلامية والبوذية.

يهدف هذا البرنامج إلى إقامة جسور التواصل والتحاور بين الشعب الأمريكي والشعوب العربية خاصة، باختصار؛ إنه واحد من برامج «العولمة» التي لم تستوقفني للبحث في نوايا الآخر «المخفية» بقدر ما استوقفتني للبحث والاطلاع على ثقافة وفكر الآخر.

لقد حملت لي الجولة نتائج إيجابية، بمعنى أنها أتاحت لي فرصة الاطلاع بموضوعية على علوم وثقافة وتجارب الآخر، لأطلعه بدوري على ثراء الفكر والقيم التي حملتها ثقافتي العربية الإسلامية.

استغرقت الجولة شهراً كاملاً، حرصت فيها على تدوين مجرياتها يوماً يوماً وساعة ساعة في صفحات أوراق لم تر النور بعد، ولكنها كافية لأكون من خلالها شاهد عيان.

وسأكتفي بهذا القدر من التمهيد، تاركة للقارئ الكريم أن يتابع وقائع «البث الإعلامي المشترك».

وأختم بالدعاء:

«اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً بمحكم كتابك، واتباعاً لهدي خاتم أنبيائك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم».

مقدمة مؤلف «الأفلونزا»

الضيف أولاً....

استهل ضيفي جلستنا الأولى بقوله:

بعد نجاحي في تأليف وإنتاج سلسلة من البرامج التلفزيونية، وأشرطة الفيديو التي تتحدث عن الأفلونزا: وباء الاستهلاك المفرط، وطرق التخلص منه، أقنعني أصدقائي الذين شاركوا بوضع الكتاب ـ بضرورة إصدار كتاب نوسع من خلاله مجال العرض فيكون مسلياً ويحمل في الوقت ذاته المعلومة والفائدة. تماماً كمن يضع ملعقة سكر مع الدواء ليسهل بلعه.

وليس الهدف من وراء الكتاب محاربة الاستهلاك والثروة والأثرياء، بقدر ما يهدف إلى إثارة تطلعات الإنسان نحو القيم الحقيقية، وتحفيزه ليقوم بدوره في المشاركة بعملية الإصلاح وتولي علاج المرض الذي تفشت عوارضه بين أفراد الشعب الأمريكي، وأدى على صعيد الفرد والجماعات إلى ارتكاس صحي ونفسي.

الكتاب مقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

القسم الأول: يبحث في أعراض «الأفلونزا» كأي أعراض مرض أو حمى راشحة تصيب الإنسان فتشعرُهُ بارتفاع الحرارة وقشعريرة ووهن وحكة وطفح جلدي وغيرها من الأعراض. وقد يفاجأ القارئ هنا أنه واحد من المصابين بالمرض، أو ربما كان السبب في إصابة أولاده وأصدقائه أو الطبيعة الأم.

وما إن يواصل القراءة حتى يجد أن العوارض المرضية التي تجلت بوضوح على صعيد الفرد والمجتمع والدولة كثيرة ومعقدة لدرجة ما كان يتصورها.

القسم الثاني: يبحث في أسباب المرض (الجينوم المورث للمرض) حيث يتم تعقب فيروس المرض من بداياته، مروراً بكيفية تطوره، وبالمحاولات التي اتخذت لمنع انتشاره، وانتهاءً بالتقنيات الحديثة التي ساهمت في سرعة انتشاره واستفحاله...

ويتبين للقارئ هنا الكيفية التي تم من خلالها نشر فيروس المرض، وإخفاء آثاره السلبية عن العامة في أمريكة.

القسم الثالث: يبحث في طرق الاستشفاء والعلاج، لأن الكتاب لا يهدف إلى ترك الإنسان محبطاً، بل يجعله يخطو طواعية نحو الشفاء.

والوصفات العلاجية منها ما يخص الفرد؛ وتقوم على تبني نمط معيشة جديد يعرف بـ «البساطة الطوعية» أو «الاقتصاد في العيش».

ومنها ما يخص المجتمع: وتقوم على مشاركة المواطنين في مراقبة «مؤشرات» الاستقرار التي حددتها بعض المدن الأمريكية معياراً للاستقرار.

ومنها ما يخص الدولة: وتقوم على اعتماد مؤشر جديد للتقدم والازدهار غير مؤشر ضخامة الإنتاج المحليّ Gross Domestic Product: GDP لأن ضخامة الإنتاج لا تنبئُ بالضرورة عن ازدهار الدولة الحقيقي.

الكتاب لا يحمل للأمريكي معلومات جديدة خارجة عن إطار معرفته، فما نهدف إليه في عصر المعلومات ليس إضافة مزيد من المعلومات، بل الانتفاع بما لدينا أصلاً من معلومات نخدم بها أنفسنا ومجتمعنا.

ولا نفترض تقبل أو موافقة الجميع على كل ما ورد في الكتاب، ولا نهدف بذلك إلى إقناع الجميع أن «الأفلونزا» مرض وبائي حقيقي - بالمعنى الحرفي - بقدر ما نهدف إلى تشجيع الحوار وتبادل الآراء حول «الاستهلاك» الذي أصبح مادة وأساس حياة الشعب الأمريكي؛ علّهم يتوصلون بالنهاية إلى أن: «أفضل الأشياء في الحياة ليست أشياء»، The best things in life are not things ، والقرار يعود إليهم.

الكتاب، يرفع إصبع التحذير في وجه الشعب الأمريكي وهو موجه بالدرجة الأولى لهم، باعتبارهم أكثر الشعوب استهلاكاً في العالم، كما ويحذر شعوب العالم من خطر تبني النمط الأمريكي نفسه في المعيشة؛ داعياً الشعوب إلى المحافظة على التوازن المعيشي الذي اعتادوه؛ وإلى التعلم والاستفادة من أخطاء وتجارب غيرهم؛ كي لا يقعوا بدورهم فريسة لوباء «الأفلونزا»: الاستهلاك المفرط.

[نظرت إلى ضيفي بين السطور وهو يأخذني إلى المشهد التالي]:

«دخلت سيدة جميلة إلى عيادة طبيب، ترفل بثيابها الأنيقة وتسأله أن يصف لها دواءً لحالة الضيق والقلق التي تنتابها على الرغم من اقتنائها منزلاً جديداً وسيارة فارهة، وخزانة مليئة بكل ما هو جديد، عدا العلاوة في مرتبها!!»

فيجيب الطبيب: أنت تشتكين «الأفلونزا»، إنه وباء جديد، معدٍ... نعم... قابل للشفاء ولكن ليس بالسهولة التي تتوقعين.

أضاف ضيفي قائلاً: صحيح أن هذا المشهد من صنع الخيال إلا أن المرض حقيقي.

لقد أخذ الوباء بالانتشار في أمريكة منذ خمسينات القرن الماضي، وتنامت سرعة انتشاره بدءاً من الثمانينات، مع مَقْدَمِ عصر «الأنا»؛ عصر التوسع الاقتصادي الهائل، الذي جعل الأمريكي يرفع من معدل استهلاكه وتسوقه؛ ويزيد من حجم مخزونه من البضائع والسلع الجديدة التي تفرزها الأسواق يومياً.

وسرعان ما انتقلت عدوى «الأفلونزا»، وباء الاستهلاك المفرط إلى العالم بأسره؛ باعتبار أن الاقتصاد الأمريكي بات يُنظر إليه اليوم على أنه النموذج الأمثل.

[هززت رأسي بالموافقة وأنا أتابعه يقول]:

إن «الأفلونزا» مرض يخطَف العقول... نعم يخطَف العقول Mind- snatcher ، كلنا يذكر موقف «آل غور» Algore ـ عندما كان «سيناتور» وأصدر عام 1992 كتاباً بعنوان: «الأرض في الميزان» قال فيه:

«إن أمريكة اليوم أشد حرصاً وتمسكاً بعاداتها الاستهلاكية؛ فهي تستهلك كميات ضخمة من النفط والفحم والماء والهواء النقي والأشجار والتربة، ومخزوناً هائلاً من موارد الأرض لتحولها، ليس من أجل إيجاد المأوى الذي نحتاجه، بل لكثير مما لسنا محتاجين إليه، لدينا كم هائل من البضائع، وتوجد بالمقابل، أعداد كثيرة من الناس الذين يشتكون الخواء، لقد أصبحت أمريكة مدمنة على الأشياء، إن حضارتنا تعدنا السعادة من خلال استهلاك سيل لا ينتهي من البضائع الجديدة البراقة... ولكنه وعدٌ كاذب»[5].

وهكذا تولى «آل غور» بعد سنة منصب نائب رئيس الجمهورية، ولكن ما إن مرت أعوام قليلة حتى جاء خاطف العقول وباء «الأفلونزا» وأخذ معه «آل غور».

لقد صوّت «آل غور» قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2000 على رفع حجم الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات العشر القادمة بنسبة 30%، معلناً بتحول موقفه أنه أصبح ناقلاً لفيروس «الأفلونزا»: وباء الاستهلاك المفرط.

نحن عامة في أمريكة، أُصبنا ـ شأن آل غور ـ بالمرض.

لقد قام الباحث الاجتماعي بولستر ريتشارد هاروود عام 1995 بإجراء مسح حول واقع ومواقف الأمريكيين من الاستهلاك، فوجد أن الناس ينفقون ويتسوقون أكثر مما يحتاجون، وهم يعترفون أن أولادهم أصبحوا ماديين، وأن ما ينفقونه اليوم هو على حساب مستقبل الأجيال القادمة.

يقول هاروود: لقد وقف الاستهلاك معترضاً كل الخطوط الدينية والثقافية والعرقية، أيّاً كان العمر ومستوى الدخل، إن المشاعر العامة تنبي أننا أصبحنا ماديين جداً، طماعين وأنانيين جداً، ومستغرقين في ذاتنا جداً.

وعلينا أن نضع مرة تلو أخرى في الميزان تلك القيم التي قادت مسيرة أمتنا عهوداً طويلة، إنها قيم الإيمان والروابط الأسرية والصداقة والكرم والإحساس بالمسؤولية[6].

[أطرقت قليلاً وأنا أفكر «بسنن الأنفس»: الأخلاق والقوانين الإيمانية في ميزان القرآن والسنة المتناغمة مع فطرة الإنسان وعوامل ارتقائه على صعيد الفرد والجماعات]، وسرعان ما استفقت على ضيفي وهو يقول:

إن وباء الأفلونزا يعود من وجهة نظري إلى هوس التوسع الاقتصادي الذي تحول إلى الحلم الأمريكي، الحلم في أن يصبح كل جيل من الأجيال الأمريكية أكثر ثراء من الجيل الذي قبله عبر تنميط ثقافة: «اشتر الآن... وادفع لاحقاً»، الأمر الذي تسبب في إرهاقنا بالديون، بل وفي إرهاق كوكب الأرض. فنحن ننتج ونستهلك بمعدلات فاقت قدرة الأرض على امتصاص ما نلوثه، وإذا ما بقينا مستمرين في تبني «الاستهلاك المفرط» نمطاً لمعيشتنا، فعلينا إذن أن نبحث عن كواكب أخرى...

إن ضخامة الإنتاج القومي تشير ـ رغم أزمة الاقتصاد العالمية ـ إلى قوة الاقتصاد الأمريكي، وهذا خبر جيد، ولكن توجد أخبار سيئة إلى جانبه.

نشرة الطقس المحلية تنقل إلينا مزيداً من رداءة الأحوال الجوية والكوارث الطبيعية غير الاعتيادية: وابل من الأمطار الغزيرة في «كاليفورنية»، فيضان في نهر «أوهايو»، عواصف ثلجية في «فيرجينية»، أعاصير مخيفة في «أتلانتا»، ارتفاع شديد في درجات الحرارة في «تكساس».

والأنباء المحلية تشير إلى: ارتفاع معدل الفقر، تزايد أعداد الناس المثقلين بالديون، عدد المجمعات التسويقية (المولات): فاق مرتين عدد المدارس الثانوية! وتجاوزت أعداد الذين أعلنوا عن إفلاسهم في السنوات الأربع الأخيرة، أعدادَ خريجي الجامعات!.

معدل ساعات العمل في أمريكة فاق نظيره في الدول الصناعية الكبرى بما فيها اليابان!

النفايات الناجمة عن الصناعات تملأ قوافل تمتد بطولها إلى نصف المسافة الموصلة للقمر! 40% من البحيرات والأنهر لم تعد صالحة للسباحة والصيد بسبب التلوث وو....

ألا يعني كل هذا أن هنالك علاقة ورابطاً ما بين الخبر الجيد على ما يبدو، وبين كل تلك الأخبار السيئة؟

إن عصر العولمة يعني عولمة الاقتصاد، يعني وقوعنا جميعاً في أزمة واحدة، وكلنا بحاجة لأن نفهم لكي نتمكن من السيطرة على وباء الأفلونزا.

بهذه الدعوة إلى الفهم والإدراك، أنهى ضيفي مقدمته التي ظننت للوهلة الأولى أنه قد استوفى فيها حديثه عن «الأفلونزا»: وباء الاستهلاك المفرط، لأدرك بعدها أن ما قام به أولاً هو عرض الصورة الكلية، ليأخذك بعدها إلى موقع قريب من الصورة، فتبدأ تمعن النظر في تفصيلاتها الدقيقة، مستهلاً بإدراج صفحة تضم أربعة عشر عارضاً مرضياً لوباء «الأفلونزا»، «الاستهلاك المفرط».

الصفحات