أنت هنا

قراءة كتاب حمى الاستهلاك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حمى الاستهلاك

حمى الاستهلاك

كتاب " حمى الاستهلاك " ، تأليف سحر سهيل المهايني العظم ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر  عام 2013 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر:
الصفحة رقم: 7

«نحن والآخر في الميزان»

مرت بي وأنا أنقل حديث ضيفي؛ حالة من تداعي الأفكار، شدّتني إلى مشاهد مشابهة في مجتمعي، تزاحمت جملة واحدة في مخيلتي، لا تختلف في مضمونها وإن اختلفت في إطارها، المال والأشياء فيها مصدر القيمة والاعتبار، واللهاث وراءها محور الحركة والحياة، لكن بفارق واحد هو:

أن الرغبات المتنامية للتسوق والاستهلاك في مجتمعاتنا العربية يقابلها عجز اقتصادي؛ الأمر الذي يزيد صعوبة تشخيص وباء الأفلونزا: الاستهلاك المفرط الذي انتقل إلينا بسرعة مع هبوب الرياح الغربية.

وعدت بالذاكرة إلى أول مرة زرت فيها أمريكة عام 1991، أُصبت حينها بالدهشة والإعياء، كل شيء فيها كبير وعريض وضخم، من الشوارع، إلى ناطحات السحاب، ومن وجبات الطعام، والسيارات، والمجمعات التسويقية إلى كمِّ المشتريات.

وكنت كأي زائرة أرغب في مشاهدة معالم أثرية حضارية، فأجد من حولي يقول: غداً سنصحبك إلى مجمع تجاري لم تشاهديه بعد...

فأقول في نفسي: أهذا كل ما تفخر به أمريكة؟!.

طبعاً لا أعني بكلامي عدم انبهاري بما في مراكز التسوق من ألوان جذب وتسلية، وبما تحمله مخازنها من نظافة وترتيب وأناقة وجمال عرض. والأهم؛ التسهيلات التي لا حد لها في عملية البيع والشراء والتي زادت بدورها من القوة الشرائية وقوة الاقتصاد الأمريكي؛ إلا أنني وبالرغم من كل ذاك البريق، سرعان ما شعرت بالملل وتملكتني رغبة قوية بالعودة سريعاً إلى أرض الوطن.

أما زيارتي الثانية عام 1996 ضمن مجموعة «برنامج الزائر العالمي»، فقد حملت لي بعداً آخر وانبهاراً بشيء يحمل خصوصية وتميزاً: العلم.

العلم وكل ما يتبع تلك الكلمة من: علماء، أساتذة وجامعات وطرائق تدريسية وفرص وحوافِز علمية، ومنح دراسية، واحتضان مواهب، وإبداع علمي، وكل ما يوفره المناخ العلمي من اجتهاد وإبداع وحرية تفكير وتعبير.

وتعلمت لغة الأرقام ـ التي ظهرت بوضوح في حديث ضيفي ـ وأهمية المسح والإحصاء عند طرح أي مشكلة ومناقشة أبعادها على أرض الواقع.

عدت من بلد يحمل شعبه كل الأضداد: حذقُ العلم وغفلة الجهل، المكر والطيبة، الخبثُ والسذاجة، الانضباط والتفلت، الصواب في الوسيلة والشرود عن الغاية، عدت مفعمة بالحيوية والنشاط؛ أشعر بقيمة الوقت وأهمية الالتزام، أحلم بمزيد من العلم والعمل لأكون أمّاً أفضل، زوجة، ابنة ومواطنة أفضل؛ باختصار؛ عدت وأنا أمسك كتاب ربي بقوة أكثر... وفي طريق العودة...

وفي طريق العودة... وما إن عبرت بي السيارة شوارع دمشق الحبيبة عائدة من المطار، حتى وجدت إعلانات ألصقت في كل مكان وزاوية من زوايا الطرقات، حملت بالأحرف البارزة: «أخيراً، صار عنا مول»[8].

فقلت: يا فرحتنا... أهذا ما نحتاجه؟! ولدينا أعرق وأقدم أسواق في التاريخ، سوق مدحت باشا والحميدية! أم تراه كان إعلاناً عن:

«أخيراً صار عنا أفلونزا» دون أن أدري؟!

وما أسرع ما تتالت المشاهد التي تحمل صوراً عن تهافت التقليد الأعمى والمحاكاة للغرب، سواء في الأسماء الأجنبية التي تتصدر واجهات مطاعمنا ومحلاتنا التجارية، أم في تنطّع أصحابها بمفردات أجنبية خلت من دقة اللفظ تماماً مثلما خلت آلية التعامل مع الزبائن من الكياسة، بل مثلما خلت آلية العمل التجاري كُلِّه من الفنية، والتطور، والعلم[9].

أصبح حالنا أشبه «بالغراب» الذي أعجبته مشية «الحجلة» فراح يقلد مشيتها، فلا هو أتقن فنها في المشي ولا استطاع أن يعود إلى مشيتِهِ.

انفرجت أساريري عن ضحكة ساخرة وأنا أنقل عن ضيفي حديثه حول الافتتاح الضخم لأحد المجمعات التسويقية ـ فالافتتاح الضخم يتناسب ـ على الأقل ـ مع ضخامة المجمع التسويقي، وضخامة الثروات التي يمتلكها أصحابه.

أما أن تقرع الطبول، وتأتي فرقة «العراضة» الشامية، والسيف والترس مضافاً إليها بخلطة عجيبة موسيقى غريبة على أضواء ليزرية من أجل افتتاح دكان لا تتجاوز مساحته ـ كما يقال ـ مترين بمتر، فهذا والله مدعاة للضحك...

وهنالك مشهد مركب أكثر مدعاة، ليس للضحك، بل للحنق... وذلك حين يرافق الافتتاح الكبير لمتجر صغير توزيع مجاني لكتيبات أدعية وأذكار تحمل سوراً من القرآن الكريم؛ أسلوباً من أساليب الدعاية والترويج!!!

الصفحات