أنت هنا

قراءة كتاب التشرد وانحراف السلوك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التشرد وانحراف السلوك

التشرد وانحراف السلوك

كتاب " التشرد وانحراف السلوك" ، تأليف لمياء ياسين الركابي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

الاحداث الجانحين في التشريعات القديمة

لا يمكن ان ننكر ان مجتمعاتنا في السابق كانت ترى العقوبة قصاصاً ينطوي على قيمة تكفيرية بل تطهيرية ، ويبدو ان ذلك ناتج عن طبيعة التراث المتأصل فيها . فبعد ان تجاوزت الجماعة فترة الانتقام الشخصي لم ترى في الجانح ذلك الشخص الذي ينبغي ان يصلح الضرر المترتب على فعله فحسب ، بل رأت فيه ايضاً ذلك الذي انتهك واحتقر القاعدة التي يضفي عليها الدين او العرف او التقاليد طابعها المقدس لدى الجماعة فهو يكفر بالعقوبة عن فعله نتيجة خرقه للنظم الموقرة لدى الجماعة . وقيام الجماعة بعقاب ذلك الحدث هو انطلاقاً من الحفاظ على قدسية ذلك النظام بين أعضائها .

لقد أشار فوكونية ( Poul Fauconnet) في دراساته عن المسؤولية الجنائية للإحداث الجانحين ان الحدث الجانح ورد في التشريعات القديمة التي أولت الحدث عناية خاصة في إصدار الأحكام . فقد جاء في التشريع الصيني القديم التمييز بين ثلاث حالات لتخفيف العقوبة ، أحدها خاص بالإحداث الذين بلغوا الخامسة عشر من العمر وهؤلاء يمكن لهم ان يطالبوا بإعفائهم من العقوبة عن طريق دفع تعويض مقابل تلك العقوبة وذلك لصغر سنهم . اما الإحداث الذين هم ما بين سن العاشرة والخامسة عشرة فيرفع أمرهم الى الإمبراطور التماساً للعفو . اما الأطفال دون السابعة من العمر فلا توقع عليهم اية عقوبة .

اما قوانين البابليين ، مثل ( قانون حمورابي )فانه لا يوجد نص صريح على جرائم الصغار عدى انه من اشترى حاجة من حدث صغير وكانت مسروقة يعاقب المشتري بالاعدام دون ان يرد في القانون عقوبة نحو الصغير الذي باع البضاعة كما هو واضح في المادة السابعة من قانون حمورابي .

اما المجتمع الروماني فانه يسقط العقوبة عمن دون السابعة لكنه يفرض عليهم العقوبة نفسها التي يفرضها على الكبار اذا كان سن الحدث فوق السابعة ,اما في القرون الوسطى في أوربا فقد كانت النظرة الى الجنوح والجريمة مقيدة بالمنظور الديني الذي كان يعد كل جريمة هو عمل من رجس الشيطان وانه معصية لأوامر الله ودينه لذلك فان الخارج عن القانون هو خارج عن قانون السماء , وهذا كان يشمل الأحداث والكبار بدون استثناء .

فلقد ازدادت العقوبات البدنية بشاعة ووحشية في عهود الإقطاع التي سادت أوربا، ثم في عهد ملوك الحق الإلهي حيث ظهرت عقوبة السجن الى جانب العقوبات البدنية وحاولت الكنيسة المسيحية التخفيف من تلك العقوبات وقسوتها ونادت بان يكون الغرض من العقاب هو التكفير عن الخطيئة ,وعلى هذا الاساس لم يكن الإحداث يفرقون في المحاكمة عن الكبار .

بينما كان الإحداث وفقاً لمنظور الشريعة الاسلامية يعاملون طبقاً لفكرة التمييز بين المسؤول جنائياً وغير المسؤول ، فلم يعد مكلفاً للمسؤولية إلا الإنسان الحي المكلف ، و منها يعفى الأطفال من العقاب إلا إذا بلغو سن الرشد . قال تعالى " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما أستأذن الذين من قبلهم " .كما قال الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم): ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يصحو وعـن المجنون حتى يفيق ) ولكن الإسلام قد اخذ في الحسبان ما قد يؤدي إليه سلوك الحدث غير المكلف من أضرار بالمجتمع ، مما قد يجعل الإعفاء عنهم سبباً لحدوث خلل في النظام الاجتماعي فشرعت عقوبات من نوع خاص للاحداث الجانحين تكفل حماية المصالح العامة للمجتمع ، فبالرغم من عمل نظام العقوبات الإسلامي بنظام القصاص المتمثل العين بالعين والسن بالسن والنفس بالنفس، وما يترتب على ذلك من عقوبة قد تكون بدنية إلا ان الإحداث استثنوا من ذلك بدفع دية إلى أهل المتضرر سواء كان الفاعل عامداً ام غير عامد لانتفاء المسؤولية والتمييز لدى الحدث . ثم ان هناك نظام الدية الواجب على الأطفال الأخرين والذي أجاز المشرع الإسلامي دفعها من بيت مال المسلمين ان لم يتوفر لدى الحدث او لدى وليه ما يدفعه للمجني عليه . اما العقوبات البدنية الأخرى في الإسلام كالضرب او الجلد فان الإحداث قد توقع عليه مثل تلك العقوبة ولكن بصورة مخففة جداً بتقليل عدد الضربات وتخفيفها عليه . كما اقر مبدأ التوجيه والنصح والإرشاد في إصلاح الحدث الذي ارتكب فعلاً لا يتطلب دفع الدية او الضرب ، مع وجود نظام العقوبة والمسامحة إذا كان ذلك متاحا.

الصفحات