أنت هنا

قراءة كتاب التشرد وانحراف السلوك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التشرد وانحراف السلوك

التشرد وانحراف السلوك

كتاب " التشرد وانحراف السلوك" ، تأليف لمياء ياسين الركابي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

الحدث الجانح في التشريع العراقي

يعد العراق من أوائل الدول العربية التي وضعت قانوناً خاصاً بالإحداث الجانحين وذلك عندما صدر قانون الإحداث عام 1955م ، وبعد ذلك صدرت قوانين الإحداث الأخرى لمتابعة التطورات المستجدة والأخذ بأحدث أساليب الرعاية والحماية والعلاج في حقل مكافحة الانحراف والجنوح في التشريعات الخاصة بالإحداث .

لقد كان أول نص طبق في العراق بشأن الإحداث الجانحين هي المادة 40 من قانون الجزاء العثماني عندما كان العراق تحت الاحتلال العثماني التي تنص " ان من لم يكن حين ارتكب الجريمة قد أتم الثالثة عشرة من عمره يعد فاقداً للتمييز ولا يسأل عما ارتكبه من الجرائم " غير انه يسلم بحكم محكمة الى أبوية أو وليه على ان يؤخذ منهم تعهد ، او يرسل لاجل التربية في دار الإصلاح، ويوقف بها مدة لا تتجاوز بلوغه سن الرشد على الأكثر ، فضلاً عن تقليل مدة الحبس بالنسبة لجرائم القتل او التي تستلزم الإعدام او السجن المؤبد بالنسبة للكبار الى ربع او ثلث للمدة .

ثم صدور قانون العقوبات البغدادي سنة 1918 م الذي استمد اغلب أحكامه من قانون العقوبات المصري الصادر سنة 1904 م. ولم يكن هناك محاكم خاصة بالإحداث بل كانت محاكم الجزاء ( الجنح ) ومحاكم ( الجنايات ) هي المختصة في النظر في قضايا الإحداث . وكانت تتبع بحق الإحداث الأساليب او الإجراءات نفسها التي كانت تطبق بحق البالغين وتفرض بحقهم نفس العقوبات تقريباً ، والتي كان اغلبها يتسم بالقسوة كعقوبة الجلد . الا انه نص على إيداع الإحداث في المدارس الإصلاحية ، علماً ان هذه المدارس لم تنشأ الا في عام 1931م، كمـا اقر هذا القانون تسليم الحدث الى والديه او وصية لقاء تعهد مكتوب .

وجاء صدور قانون الإحداث بالرقم 44 لسنة 1955 م الذي كان أول قانون للإحداث في العراق كما أسلفنا وكان صدوره نتيجة مباحثات بين عدة لجان شكلت لهذا الغرض ، وقد تم على اثر هذا القانون استحداث محاكم للإحداث في منطقة بغداد لممارسة كافة الحقوق والصلاحيات المنصوص عليها في القانون ,كما أشار هذا القانون الى مرحلة جديدة في تقسيمات الإحداث الى مراحل عمرية وهي مرحلة الصبي الذي يبلغ عمره بين السابعة والثالثة عشرة ، ونص على وجود مؤسسات خاصة بالإحداث الجانحين هي مواقف الإحداث والمدرسة الإصلاحية وسجن الإحداث ، كما ظهرت الأحكام الخاصة بالمتشردين من الإحداث ,وقد عد هذا القانون خطوة اولى نحو تحديث الرعاية والتأهيل ومعاملة الاحداث الجانحين ، الا انه انتقد من حيث كونه لم يواكب التشريعات الحديثة في البلاد المتقدمة واتسمت اغلب نصوصه بالقسوة بتأثير المفهوم القديم الذي يرجح العقاب على التدبير ولم ينص على التدابير الحديثة كمراقبة السلوك او الإفراج الشرطي .

ثم صدر قانون رقم 11 لسنة 1962م الذي حاول المشرع العراقي فيه تلافي العديد من الثغرات في القانون السابق ، لعل ابرزها هو التخلي عن مرحلة سن السابعة الى الثانية عشر والعودة الى تقسيم قانون العقوبات البغدادي ، كما استحدثت لاول مرة التدابير العلاجية الحديثة مثل مراقبة السلوك او الافراج الشرطي ، فضلاً عن التسليم الى ولي الامر او ارسال الى المدارس الاصلاحية .كما اقر مبدأ انتزاع السلطة الابوية وتوسيع سلطة المحاكم في تقدير التدبير الملائم . كما أجاز النظر في اكثر من دعوى على الحدث في نفس المحاكمة و يعد هذا القانون ثورة إصلاحية في وقته على الرغم من بقاء السمة العقابية بين جنباته.

وجاء صدور قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 م وقانون أحوال المحاكمات الجزائية رقم 64 لسنة 1972 م وقد عد خطوة متقدمة في مجال قضاء الإحداث . لاتسام أحكامه بالمرونة ومنح المحكمة سلطة واسعة في اختيار التدابير المناسبة لكل حالة من خلال مبدأ التفريد في المعاملة ، كما جاء تعدد الخيارات التي أتاحها القانون للمحكمة بجعلها اكثر قدرة على فرض التدبير المناسب بحق الحدث الجانح .

كما اكد قانون إصلاح النظام القانوني رقم 35 لسنة 1977م على ( ضرورة الحد من مشكلة جنوح الإحداث والوقوف بشكل فعال إمام تفاقمها وإيجاد نظام متكامل يستند الى أسس علمية تتناسق في العمل ابتداءاً بالوقاية وانتهاءاً بالرعاية اللاحقة مروراً باللقاء الأول مع السلطة العامة ولاجل تحقيق ذلك ينبغي تخصيص مؤسسات علاجية لائقة ومتنوعة وعلى مستوى تهذيبي عال تدار من قبل متخصصين بشؤون الإحداث وربط جميع أجهزة النظام بوزارة العدل لتكون وحده متكاملة مع الأجهزة التحقيقية والمحاكم الخاصة بالإحداث ومتى ما وجد هذا النظام بمتطلباته البشرية والمادية ، جاء دور القانون ليحدد شكل وموضوع ما تقتضيه محاكمة الحدث والتدابير اللازمة بحقه. وتجسيداً لما جاء به قانون إصلاح النظام القانوني فيما يتعلق بالأحداث فقد شرع قانون رعاية الإحداث رقم 76 لسنة 1983 الذي أعطى لموضوع الوقاية من الجنوح دوراً مهماً وبارزاً بعد ان شخص الشرع الأسباب الحقيقة لظاهرة الجنوح وسبب تفاقمها . فقد وضع هذا القانون الأسس العلمية في رسم خطة متكاملة في موضوع الوقاية من الجنوح . واشراك مؤسسات الدولة الرسمية ذات العلاقة بالإحداث والمنظمات الجماهيرية . وقد تبنى هذا القانون مبادئ حديثة مهمة تتعلق بالوقاية والعلاج والرعاية اللاحقة والأخذ بمبدأ الاكتشاف المبكر للحدث المعرض للجنوح ، ومسؤولية الولي عن إهمال واجباته تجاه الحدث وسلب الولاية على الصغير والحدث ، وتوسيع مساهمة ومسؤولية المنظمات الجماهيرية ، وادارات المدارس ، ورفع الحد الادنى لسن المسؤولية الجنائية الى تمام التاسعة من العمر ،وجواز وقف تنفيذ التدبير ، وابراز دور الادعاء العام

لازالت تلك التدابير خاضعة للتعديل والتغيير حسب وجهات النظر المختلفة للعلوم الجنائية والاجتماعية وفق التطورات الحديثة للسياسة الجنائية التي قد تغير في خططها تبعاً لتغير الحاجات الاجتماعية والتغيرات الى تطرأ على المجتمعات في العصر الحديث لتبقى تلك القوانين محط جذب ورد في محاولة الوصول الى افضل السبل للوقاية من الجنوح وعلاج الإحداث الجانحين ، على اساس ان الظاهرة لازالت تشكل هاجساً اجتماعياً من خلال زيادتها المضطردة وتوسعها وتنوعها ، بتنوع الأسباب المؤدية إليها .

الصفحات