أنت هنا

قراءة كتاب التشرد وانحراف السلوك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التشرد وانحراف السلوك

التشرد وانحراف السلوك

كتاب " التشرد وانحراف السلوك" ، تأليف لمياء ياسين الركابي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

محاكم الإحداث :

محاكم الإحداث هي محاكم استثنائية أنشئت لاسباب خاصة ولتحقيق أهداف معينة ولذلك كانت القوانين الخاصة مراعية لاهداف تلك المحاكم في الأخذ بمهامها وإيجاد السبل لنجاحها من خلال التشريعات والقوانين الخاصة ومحاكم الإحداث هي مؤسسات اجتماعية بالدرجة الأولى ذلك لانها ليس مجرد مكان تنفيذ القانون فقط و إنزال الأحكام الجزائية ، فهي تتعامل مع فئة خاصة من المذنبين الذين يحتاجون الى الكثير من الرعاية والتوجيه والفهم الكامل لشخصيتهم ولمشاكلهم و أسباب انحرافهم او تعرضهم للجنوح ، واختيار ما يناسب كل حدث من التدابير الكفيلة بإصلاحه و أعادته الى السلوك القويم .

لقد أصبحت محاكم الاحداث في عصرنا الحاضر من أولى مظاهر التعبير القضائي عن أفكار الإصلاح في السياسة الجنائية نحو معاملة الإحداث الجانحين من خلال التدابير العلاجية الحديثة , وقد كان هذا التحول في مهام تلك المؤسسة من مجرد أداة لتطبيق النصوص وإصدار الأحكام ، الى إعطاء الاهتمام للشخص الجاني والعوامل الاجتماعية والبايولوجية والنفسية المتفاعلة مع الشخص . ويعود الفضل في ذلك كما أسلفنا الى ظهور المدرسة الوضعية الحديثة ثم ظهور حركة الدفاع الاجتماعي وفلسفتها حول السياسة العقابية الحديثة التي نبذت فكرة التقابل بين الجريمة والعقوبة والتمسك بفكرة الإصلاح والعلاج كهدف للعقوبة.

لقد جاء هذا التحول من الصفة الجزائية و إنزال العقوبة ليس فقط من خلال تطور فلسفة الإصلاح وظهور الأفكار المساندة له ، بل من خلال تطور التشريعات القانونية التي غيرت الكثير من اختصاص تلك المحاكم وحددت مسؤولياتها ، فضلاً عن اعتراف المشرع القانوني بان اختصاص تلك المحاكم هو النظر في دعاوى الاحداث الذين هم بالاساس ليسوا مجرمين بقدر كونهم مجموعة من القصر العاجزين عن اختيار طريقهم بإدراك كامل واجتناب المشاكل التي قد يقعون فيها نتيجة سوء تقديرهم الناتج عن صغر سنهم وخبرتهم. فقد نص قانون الولايات المتحدة عام 1933م مثلاً على ان المحكمة الخاصة بالإحداث تتولى الحماية والعناية بالحـدث وان تراعي مصلحته الحقيقة والتكفل فـي إصلاحه وتعليمه وتهذيبه .

لما كانت تلك المحاكم تطبق على الجانحين إجراءات تهدف الى حمايتهم واعادة تربيتهم فإنها تمتلك بذلك وبحكم القانون إصدار أحكام جنائية عليهم وهذه الأحكام تخفف مراعاة لصغر سن الحدث فتقل عقوبتها عن الأحكام الصادرة بحق الكبار وتتدرج تلك الأحكام حسب المراحل العمرية للحدث ونوع الجريمة والظروف المحيطة بالحدث وتوافير النية والإدراك لديه . وبذلك خرج الحدث الجانح من نطاق قانون جنائي ضيق عاش على مفهوم تناسب العقوبة مع الجرم اكثر من مفهوم تناسب العلاج الاجتماعي والتربوي مع الحدث الجانح. ولقد راعى المشرع الفرنسي الاثار النفسية والسايكولوجية للحدث فحاول التقليل من اهمية الجهاز القضائي حول الحدث ، وتقليل الكثير من الإجراءات القضائية التي تتخذ مع الكبار ,كما شرع ان لا تكون المحاكمة مؤثرة في الحدث من الناحية النفسية او تسبب له صدمة وجدانية جراء معاملته كمذنب ، وفي سبيل ذلك يمكن ان يحكم على الحدث وهو خارج قاعة المحكمة اذا كان مثوله امام المحكمة له تأثير تربوي سيئ عليه او يحدث لديه اضطراباً وجدانياً.كما تكون المحاكمة سرية ولا يسمح لاي شخص غير معني بالحدث الدخول الى قاعة المحكمة وقد أشار المشرع العراقي الى ذلك في المادة 58 من قانون رعاية الإحداث الذي فرض ايضاً في المادة 63 من القانون عدم جواز الإعلان عن اسم الحدث او عنوانه او اسم مدرسته او صورته او أي شيء يؤدي الى معرفة هويته . حتى انه عاقب على من يفعل ذلك بالحبس مدة لا تزيد عن سنة او بغرامة مالية ,وفيما يخص انعقاد المحكمة يفترض ان يكون في جو مشبع بالهدوء خال من مظاهر الرهبة والعنف وفي مكان بسيط لاكلفة فيه ولا ضوضاء ، وان يتخذ القاضي فيه جلسة اعتيادية بعيدة عن الوقار المصطنع كما يفضل الأخصائيون بان تكون محاكم الأحداث في اماكن خاصة منفصلة عن المحاكم الاخرى ودوائر القضاء وما فيها من رهبة في نفسيه الحدث الجانح وذلك حفاظاً على شعور الحدث وحمايته من الوصم الاجتماعي والانحراف الذي قد يلازمه ويؤدي به الى سلوك طريق الإجرام . ولاهتمام المشرع بالناحية النفسية والاجتماعية للحدث الجانح والهدف الرئيسي لتلك المحكمة وهو الاصلاح والعلاج ، جعل هيئة المحكمة تضم الى جانب قاضي الإحداث عضوين من المختصين في العلوم الجنائية او العلوم الاخرى التي لها علاقة بشؤون الإحداث حرصاً منه على ان تأخذ الصفة العلاجية دورها العلمي الفعال من خلال اشتراك الاختصاصات الإنسانية في المحاكمة وقد اشار المشرع العراقي الى ذلك في المادة 54 من قانون رعاية الإحداث .

كما لا تصدر محاكم الإحداث أحكامها الا بعد الحصول على معلومات شخصية كاملة عن الحدث الجانح وهي معلومات مستقاة من الدراسات الاجتماعية التي يجريها أخصائيون اجتماعيون فضلاً عن الاختصاصات الطبية والنفسية التي تبحث في مختلف الظروف الاجتماعية والبيئية للحدث سواء في مراكز الملاحظة او في البيئة الطبيعة للحدث الجانح .

هذه المحاكم لا تنظر فقط في قضايا الإحداث الذين يقترفون أفعال خاطئة يحاسب عليها القانون بل يشمل ذلك الإحداث المشردين والمشاكسين والمتمردين والأحداث الذين ليس لديهم عائلة لغرض رعايتهم على اساس ان كل حدث هو في حاجة للرعاية والعناية بغض النظر عن ارتكابه فعل يحاسب عليه القانون كما هو منصوص عليه في اغلب قوانين الإحداث والعراق منها وهو من أهداف الوقاية من جنوح الإحداث عن طريق العلاج الوقائي للحدث المعرض للجنوح او الانحراف.

يمكن القول تأسيساً على ما تقدم ان محاكم الاحداث هي مؤسسة اجتماعية اكثر مما هي قانونية وتلك الصبغة الاجتماعية الناتجة عن تعاملها مع فئة خاصة يتطلب رعاية وعناية من نوع خاص لنحصل على ما تهدف اليه السياسة الجنائية من إصلاح وعلاج وتهذيب للسلوك، بما في ذلك الاهتمام بالمحكمة والهيئة المكونة لها وكادرها وكل ما له علاقة بتسهيل عملها بالشكل القانوني .

الصفحات