أنت هنا

قراءة كتاب الرسالة الأولى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرسالة الأولى

الرسالة الأولى

كتاب " الرسالة الأولى " ، تأليف أحمد حسن القضاة ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

«أُمّي العزيزة:

لكِ منّي تحياتي وأشواقي.. آملاً أن تصلك رسالتي هذه وأنتِ في أسعد أوقاتك، وأتم سعادتك.. داعياً الله سبحانه أن يبقيك ويحفظك..

أكتب إليك الآن من غرفتي المتواضعة في حي من أحياء دمشق الشعبية بعد أن عُدت ظُهراً من الكلية تغمرني السعادة، وتحيط بي البهجة، شاكراً الله تعالى أن أنعم عليَّ لمواصلة دراستي إلى هذا المستوى الذي يتمناه كل طَموح»..

وكنتُ قد الْتحقت بهذه الكلية- كلية الآداب- كما تعلمين، بعد الأخذ والرد الكثيرْين بين والدي وزوجته- ضرّتك- من جهة، وبيني أنا وأقاربي من جهة أخرى..

لقد أنجزتُ جميع الإجراءات المتعلقة بالقيد والقبول، واتخذتُ سكناي لدى عائلة محترمة، وسأبدأ منذ اليوم حياة دراسية جديدة، كُلها جدّ ونشاط، كي لا أخيّب ظنك فيَّ أو ظنَّ أقاربي الذين وقفوا إلى جانبي وانحازوا إلى صفي.. متمنياً من الله تعالى التوفيق والنجاح..

أمّي الحبيبة:

كنتِ فيما مضى من الأيام تتمنين على الله تعالى أن يطيل في عمرك لتَفْرحي بأولاد عندما يكْبرون ويصبحون شباباً، كما فرحتِ بهم حين ولدوا، لتقرَّ عيناك بهم، وتكْمل سعادتك في هذه الأيام بتوفيقهم..

أجل.! وكنتِ تتمنين من الله أن يحقق لك أملك فيثمر صبرك ببلوغ أبنائك السن التي يستطيعون بها أيضاً (حمايتك) من قسوة الزوج وظُلم القدر..

أوَ ما كنتِ تقولين بهذا في دعائك يومياً بعد صلاة الفجر، وبصوت مسموع؟

وما كان صبرك وانتظارك لليوم الذي سنصبح فيه رجالاً وما كان تحملك لشتى أنواع العذاب، وصنوف الجور والإجحاف في وقت كنتٍ تستطيعين فيه هجر هذا الزوج وبيته لتذهبي إلى بيت أهلك تعيشين عندهم معزَّزة مكّرمة.. ما كان كل ذلك إلاَّ حفاظاً على سمعتك مِن أن تلوك بها أَلْسِنَةُ الناس ولتكوني بجانبنا خوفاً علينا من عاديات الأيام وعواقب الزمن. فكان ذلك قرباناً منك لأجْل راحتنا، وتضحية لنيل سعادتنا وتلك – لعمْر الحق- هي صورة من صور الأمومة المقدسة التي باركها الله وأمرَ الناس بأن يقدّروها حق قدرها لسمو مكانتها، وجلال روعتها، وعظيم حنانها.. وبالتالي لشدة صبرها، وقوة تحملها في سبيل أبنائها.. فعجزَ أكثر الناس عن إيفائها حقها..

يا أمي العزيزة:

لقد كان أكْثرُ الناسِ من أقاربي لا ينْكرون لك فضلك في تحمل الصعاب من أجل راحة أبنائك، وحفاظاً منك على حُسن سمعتك وطيب معدنك.. وكانوا كثيراً ما يؤنّبون زوجك القاسي ويوبخونه على سوء معاملته لك ولأبنائك، ولكنه لم يَرْعَوِ ولم يرتدع عن غيّه وظلمه..

أما أنا يا أماه.!

أنا مَن كنتِ تظنين بأنني لا زلتُ صغير السن وقتذاك لا أعي لِما يدور حولي، ولا أدرك شيئاً من أمور الدنيا.!

فكثيراً ما كنتُ أتألم لألمك، وأبكي لبكائك، وأودّ بجدع الأنف أن أنتقم من هذا الأب القاسي الذي لا يرحم.. ضارباً عرض الحائط بكل الشرائع والقوانين التي نادت باحترام الآباء من طرف الأبناء..

ولكنَّني ما كنتُ أقوى على فعْل ذلك لأسباب لا تخفى على كل عاقل..

فمنها حداثة سنّي، وحاجتي المادية لأبي لتأمين مستقبلي، ولمآرب أخرى كنت أضمرها في نفسي ولا أستطيع الإفصاح عنها في حينها.. وبالتالي لقداسة (الأبوَّة) التي جُبلنا على احترامها وإطاعتها مهما كانت الظروف.. ولكن.!

إذا كان الإله سبحانه قد أمهل والدي من أن يأخذ نصيبه من العقاب الوافي في الدنيا، فلن يهمله غداً، وسيذيقه الجزاء الكامل يوم موقفه العادل..

الصفحات