أنت هنا

قراءة كتاب الرسالة الأولى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرسالة الأولى

الرسالة الأولى

كتاب " الرسالة الأولى " ، تأليف أحمد حسن القضاة ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

كلنا يعرف بأن التعليم- في جميع مراحله- يتطلب نفقات باهظة؛ فهناك رسوم التبرعات المدرسية، وأثمان الكتب والقرطاسية واللباس وما إلى ذلك..

وتبدأ تلك النفقات بالارتفاع التصاعدي كلما ارتقى الطالب أو الطالبة إلى صف دراسي أعلى..

وإذا ما قيست تلك النفقات بقلّة توافر النقود وتداولها في تلك الأيام العجاف لوجدنا أنها فعلاً باهظة بالنسبة لعامة الناس..

والطالب، وبخاصة من هو في إحدى المراحل المتوسطة والثانوية والجامعية بحاجة إلى (رعاية) خاصة واهتمام زائد من حيث تقديم متطلباته ولوازمه المدرسية وما إليها، كي يستطيع مواصلة دراسته على الوجه المُرضي..

وتلك حقيقة ملموسة .. بعرفها أولياء أمور الطلاب، كما يعرفها أيضا الطلاب أنفسهم..

ولكن.! ما بالك وصاحبنا عايد كان في تجاهل عن هذه الأمور إلاَّ في ما يتعلق بمصروف صالح اليومي الذي لا يتجاوز قروشاً قليلة، مع تقديم الرسوم وأثمان الكتب وما يراه ضرورياً في بداية العام الدراسي..

ولو شئت أن تعْقد مقارنة بين ابن الرجل الغني (صالح) وبين أترابه وزملائه من أبناء العمال والفلاحين الفقراء لوجدتهم أحسن منه حالاً، وأسعد بالاً، وأندى معيشة، وأجمل هنداماً.. ناهيك عن توفر الحنان الأبوي لأولئك الزملاء وفقدانه لصالح.. مما كاد أن يولّد لديه عقدة نفسية، أو أن ينعكس ذلك على دراسته سلباً فيفشل في الدراسة أو في الحياة..

* * *

أراد عايد أن يختبر حظه هذه المرة بمزاولة نوع جديد من أنواع العمل الحر فاشترى خمسين عِجْلاً صغيراً، وأحضر لها من يتعهدها من أقاربه- تحت إشرافه- بعد أن خصص قطعة أرض قريبة من القرية، وبنى فيها زريبة مؤقَّتة.. إلى أن كبرت العجول وسمنت فباعها بأسعار ممتازة..

ثم اشترى خمسين عجلاً غيرها، وتعهدها إلى أن حان موعد بيعها فباعها. ولكنه وجد في هذا النوع من العمل- إن استمر يمارسه- تعباً وإرهاقاً فآثر أن ينصرف عنه إلى غيره.

* * *

كان الناس من أهل القرية وخاصةً ذوو المنافع والمصالح الشخصية والمنافقون منهم يزورون عايد ويسمرون في بيته، ولا سيّما بعد إنهاء خدمته من الجيش، ويستمدون منه قروضاً وسلفات ربوية..

وكان عايد قد اتخذ من غرفة وضحا مَقراً دائماً له- كما أسلفنا- وقد حشدت وضحا من هؤلاء المنافقين (بطانة) لها و(شلّة) تعمل في صفها وتدافع عنها في المستقبل- إذا ما هبَّت أمينة ضرتها أو هبّ أهلها أو ابنها يطالبون باستعادة حقوقها المهضومة، أو خوفاً من عودة زوجها إلى أمينة وإلى أيامه الماضية معها، سواء أكان ذلك بتأثير من الناس أو بتأنيب من ضميره.

وبلسان حلو، ودبلوماسية خاصة جذبت إلى صفها عدداً كبيراً من الرجال والنساء من أقاربها، فاطمأنت نفسها من جهة زوجها.

* * *

وتمر الأيام..

كانت مدرسة ذكور القرية إعدادية فقط. ومثلها كانت مدرسة الإناث في القرية المجاورة.

فلما أن أكمل صالح وصفاء المرحلة الإعدادية بنجاح، كان لزاماً أن ينتقلا إلى مدارس المدينة الثانوية لمواصلة تعليمهما هناك..

فأعدت الترتيبات اللازمة لهما بعد موافقة الأهل والأقارب شريطة أن يستقر صالح في المدينة فيستأجر بيتاً مع زملائه أو يذهب ويعود يومياً بالسيارة العامة من القرية إلى المدينة وبالعكس. أما بالنسبة لصفاء فيجب أن لا تستأجر لها بيتاً في المدينة- كما هو الحال بالنسبة لصالح- لكونها (أنثى) ولا تستطيع أن تعيش بمفردها هناك مثلما يستطيع (الذكر) أن يفعل ذلك.. وعليها أن تغدو وتروح يومياً بالسيارة العامة، ولا سيّما وقد تحسنت الآن وسائط السفر وازداد عدد السيارات العمومية بين المدن والقرى.

* * *

والآن، حان موعد دخول (حامد) ابن وضحا في المدرسة الابتدائية..

وقد بدت عليه أمارات الكسل والبلادة من أول يوم يُلحق فيه بالمدرسة.. وبلغ من ذلك حداً جعل معلميه وحتى والدّيه يضيقون به ذرعاً، وخاصةً أمه التي أثار حفيظتها وكشف عن حقيقتها ما تكنّه من حسد نحو صالح الذكي الموفق..

ولنا الآن أن نقف وقفة أخرى فنقارن بين موقفين متناقضين اثنين كان قد وقفهما عايد من ولدْيه صالح وحامد.

فقد رأينا تجاهل عايد من متطلبات صالح الشخصية ورأينا (المعاناة) اليومية التي رافقت صالحاً أثناء دراسته منذ الصغر، وهو الطالب الذكي النابه، بينما نجد الآن عايداً يلبي متطلبات حامد- على صِغر سنه وبَلادته- ويحظى هذا بالرعاية من والده، لا لشيء إلاَّ لكوْنه ابْناً لوضحا، الزوجةِ المحْظية لدى زوجها، هي وأولادها بطبيعة الحال..

الصفحات