أنت هنا

قراءة كتاب الرسالة الأولى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرسالة الأولى

الرسالة الأولى

كتاب " الرسالة الأولى " ، تأليف أحمد حسن القضاة ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

وفي ليلة من ليالي تموز (يوليو) من عام 1940، وبعد أن عاد الحصادون من عملهم في الحقول اجتمعوا كعادتهم في مضافة(1) المختار(2) يسمرون ويتجاذبون أطراف الحديث حول ما يهمّهم من شؤون الدنيا والدين..

كانت الحرب العالمية الثانية مسْتعراً أوارها، تحصد الأخضر واليابس في طريقها. وكانت الضائقة الاقتصادية تعمّ العالم بسبب هذه الحرب، والمجاعات منتشرة، والأوبئة متفشّية.

قال المختار، وكان شيخاً جليل القدر، حلو الكلام، ذا صوت جهوري يلْفت نظر المستمِع إليه:

«يا قَوْم! لقد أصبحت حياتنا اليوم مهددة بالمجاعة والخطر. وما علينا إلاَّ أن نتدبر أمورنا كغيرنا من الناس بأسرع ما يمْكننا..

ها أنتم كما ترون تذهبون كل يوم إلى الحقول وقد لمستم بأنفسكم أن المحاصيل الزراعية لهذا العام لا تبشر بالخير؛ إذ كان قد قلَّ سقوط الأمطار فتأخَر الموسم عن وقته فشحَّت الأرض بعطائها لنا ولماشيتنا..

وثمة شيء أهم: فهذه الحرب العالمية قد أثَّرت في مجرى حياتنا وحياة الشعوب من حولنا.. فكأن الطبيعة والحرب قد تأبطتا الشر ليبارزا به الإنسان في هذه الأيام.!

فإلى جانب الفقر والمجاعة العالمية هنالك ارتفاع الأسعار وسوء الأحوال المعيشية بشكل عام. وقد تركزت أنظار الناس نحو نتائج هذه الحرب وما يترتب عليها من نصر وهزيمة بين المتحاربين.

و في كل يوم تصلنا أنباء متضاربة عنها. والذي يعنينا في هذه المنطقة من العالم أن اليهود – لعنهم الله – قد أخذوا يتجمعون من أطراف العالم ويهاجرون إلى فلسطين تحت حماية الإنجليز. وقد صمم الثُواَّر والمناضلون من عرب فلسطين ومن ورائهم المجاهدون والمتطوعون من أبناء الدول العربية والإسلامية على الحفاظ على الأرض، والدفاع عن الوطن، وعدم تحقيق إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وأقسموا بأن يضحّوا في سبيل بلادهم بكل مرتخص وغال..

ونتيجة لذلك فقد وقعت عدة اشتباكات بين العرب، وعصابات اليهود المسلحة، وقامت الثورات في المدن والقرى الفلسطينية..

ثم تابع المختار كلامه مسترسلاً وقد أخذته نشوة الحماس الديني والوطني.. فاحمرَّ وجهه وعلا صوته وقال:

«لقد سمعتم بأن المتطوعين والمجندين يفدون من البلاد العربية والإسلامية يلبّون نداء الجهاد والاستشهاد، يدفعهم إلى ذلك دافع الذود عن الوطن والشرف والدين..

كما سمعتم بأن باب التجنيد النظامي والاختياري في الجيش العربي الأردني مفتوح هذه الأيام على مصراعيه لمن يستوفي شروط الالتحاق بالخدمة العسكرية..

وإن الزمن الذي كانت تشمئز فيه نفوسنا من الانخراط في سلك الجندية، زمن الحكم التركي البغيض، قد ولىَّ ولن يعود. وأصبحت الخدمة العسكرية اليوم شرفاً ووساماً على الجبين لكل من يرتدي بزَّتها المميَّزة.

وشتان بين أن يذهب أحدنا إلى الجندية طائعاً راغباً فيها – كما هو الشأن اليوم- وبين أن يساق إليها سَوقاً كالبهائم كما كان الحال في الماضي القريب.. وأبناؤنا أحوج إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية (كجنود نظاميين) خيراً من التحاقهم (كمتطوعين لوقتٍ محدَّد) لِما يمتاز به الجنود النظاميون من تنظيم صحيح، وتدريب جيد، ورواتب شهرية منتظمة- ولا سيّما في هذه السنين العجاف. وعلى العموم، فالخدمةُ العسكرية اليوم يتمنى الالتحاق بها كل شاب طموح.

فبادروا لتدارك ما فاتكم من المكاسب والخير وأرسلوا أبناءكم إلى مراكز التجنيد قبل أن يحيط الخطر بكم وتحيق المجاعة بأُسَرِكم».

فأمَّن بعضُ الحاضرين على قوله وحَوْقلَ الباقون.

أمَّا الشباب فما أن تناهت إلى أسماعهم كلمات المختار وردَّدتها أوساط القرية حتى دبَّ الحماس في رؤوسهم وصمّم كثير منهم- وفيهم عايد- على الذهاب إلى مراكز التجنيد في أول فرصة ممكنة.

فكأن هذا الرجل قد نبّههم إلى التجنيد، وإلى الالتحاق بالجيش، وكأنهم لم ينتبهوا إلى هذه الحقيقة قبل اليوم.!

* * *

لم تكن طرق المواصلات البرّية في الأردن حتى زمن قريب كمثْل ما هي عليه اليوم من التقدم والسرعة والراحة.

فمثلا كان الطريق البري الذي يوصل قرية عايد بالمدينة القريبة منها (مركز اللواء) طريقاً ترابياً ضيقاً يمر في منطقة جبلية شجرية، كثيرة من المنعطفات والالتواءات.

ولم تكن وسائط السفر أيضاً متوفرة كما هي اليوم. أما ما توفر آنذاك فلم يكن بحال يسمح له بالسفر يومياً نظراً لما كان يلاقيه من (أعطال) وتوقف عن الحركة نتيجة خلل فني في بعض أجزائه المهترئة أو لعدم توافر الركاب يومياً من وإلى المدينة أو لاعتبارات أخرى كثيرة..

وكانت المسافة بين المدينة والقرية لا تتجاوز الثلاثين كليومتراً. أمَّا واسطة السفر المخصصة للعمل ما بينهما فكانت سيارة ركاب من نوع (جي إم سي) بحُمولة سبعة ركاب.

كانت سيارة قديمة، أكل الدهر عليها وشرب.. كما يقول المثل. وكانت لسوء حالتها (الصحية) لا تعْمل على (البنزين) وحده كوقود، بل مع البنزين (الدَفْش والسَحْب والصبر وطُول البال).. وذلك كلما عنَّ ببالها (التوقف) في أي جزء من أجزاء الطريق. فكانت – والحالةُ هذه- تسير على (الخط) يوماً وتتوقف عن الحركة يوماً أو يومين، لغايات الإصلاح في أحد كراجات السيارات في المدينة.

الصفحات