كتاب " موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة والقانون " ، تأليف د. حامد جاسم الفهداوي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، وما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة والقانون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة والقانون
المسؤولية الجنائية في القوانين العراقية القديمة
من الأمور المسلم بها بأن الحاجة إلى القوانين والعدالة والحرية وبقية المتطلبات الإنسانية لا تبرز ضرورتها إلا في مجتمعات بلغت مرحلة لا بأس بها من التطور الاجتماعي والسياسي .
وتبين لنا الدراسات الآثارية والتاريخية ، ونتائج الحفريات العديدة في العراق بأن التكوينات السياسية ظهرت في حدود سنة ( 4000 ق.م ) في الأقسام الجنوبية من العراق ([1]) ، وهذا لا يعني أنه لا توجد أقوام سكنت وادي الرافدين قبل هذا التاريخ ، وكان لها تنظيم قانوني ، لكن لعدم اكتشاف حقائق ومعلومات أكيدة عن تلك الحقبة لا يمكن أن نبحثها في الوقت الحاضر ([2]) ، وبالتأكيد أن هذه التكوينات لا تستطيع أن تُسيّر أعمالها ومتطلباتها الاجتماعية معتمدة على الأعراف والتقاليد ما لم تكن هناك قوانين تُنظم علاقاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، ولأن الكتابة المسمارية لم تكن معروفة في ذلك الوقت فإننا لا نعرف شيئاً عن طبيعة تلك القوانين .
لكن بعد معرفة العراقيين القدماء الكتابة في حدود سنة 3200 ق.م بدؤوا تدوين أخبارهم ومعاملاتهم الاقتصادية والاجتماعية والقضائية ، واستطعنا من خلالها معرفة القوانين والأحكام التي كانت سائدة في ذلك الوقت التي تدلل على أن العراقيين القدماء أدركوا أهمية القانون والعدالة في وقت مبكر جداً ، وقاموا بالإصلاحات الاجتماعية مما وفر الأرضية الخصبة لنهوض أرقى الحضارات وأقدمها التي عرفتها الإنسانية ([3]) .
وقد أطلق على العراق القديم عدة تسميات ، منها بلاد سومر : وهو يستخدم للدلالة على الجزء الجنوبي من السهل الرسوبي ، وبلاد أكد : وهو للدلالة على الجزء الشمالي من السهل الرسوبي ، أو بلاد سومر وأكد ، أو بلاد بابل التي سيطرت على أرجاء مناطق الجنوب العراقي كافة ، وبلاد أشور التي حكمت الجزء الشمالي من العراق ، إن التسميات الشائعة بين المؤلفين العرب ولاسيما العراقيين في الوقت الحاضر هي تسمية العراق القديم على هذه الحضارات ، وهي أدق التسميات جغرافياً وتاريخياً ، وأكثرها تأكيداً على أن الحضارات العراقية القديمة هي ليست حضارات ميتة كما يحلو للبعض تسميتها ، بل هي حضارة حية ومستمرة في نموها وازدهارها ([4]) .
وهي حضارة أصيلة من أبرز سماتها التنظيم القضائي لمختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وإن أقدم إصلاح اجتماعي معروف عثر عليه في العراق القديم يرجع تاريخه إلى سنة ( 2355 ق.م ) من خلال لوح طيني اكتشف في دويلة ( لكش ) التي تعد من أهم الدويلات السومرية التي قامت وازدهرت في تلك الحقبة ([5]) .
كما قامت فيه أقدم الشرائع وأرقاها التي حوت القواعد القانونية والتي تنظم القضاء وتحوي على الجرائم والعقوبات الخاصة بها .
ومن هذه الشرائع والقوانين : شريعة اورنمو ، ولبت عشتار ، وقانون ايشنونا وشريعة حمورابي .
وسنبحث في البنود الآتية موانع المسؤولية الجنائية الواردة في النصوص القانونية لهذه الشرائع والقوانين .