أنت هنا

قراءة كتاب التدابير الحدودية لحماية الملكية الفكرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التدابير الحدودية لحماية الملكية الفكرية

التدابير الحدودية لحماية الملكية الفكرية

كتاب " التدابير الحدودية لحماية الملكية الفكرية " ، تأليف شيروان هادي إسماعيل ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

الفرع الثاني: أهمية الملكية الفكرية

عند بحثنا في التطور التشريعي لتنظيم حقوق الملكية الفكرية، اتضح لنا ان هذه الحقوق قد حظيت باهتمام واسع على نطاق دول العالم، حيث تم وضع قوانين محلية في أغلب الدول لحماية هذه الحقوق، كما وان الكثير من دساتير دول العالم كفلت حماية حقوق المؤلفين والمخترعين وتوفير الفرص لهم لتنمية قدراتهم العلمية والإبداعية والفنية([41]). ونظراً للأهمية المتزايدة للحقوق الفكرية وتأثيراتها على النواحي الاقتصادية والعلمية والسياسية والاجتماعية والقانونية والثقافية والفنية، فقد تم تنظيم تلك الحقوق دولياً من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وان الكثير من المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية([42])، أكدت على حماية المصالح المعنوية والمادية للمؤلفين والمخترعين والمبتكرين في إنتاجهم العلمي والفكري.

فقد كان غنى الدول الى زمن ليس ببعيد يقاس بما يملكه من الثروات الطبيعية من المعادن والمواد الخام، أما الآن فان اقتصاد الدولة يقاس بمقدار ما تمتلكها الدولة من الحقوق الفكرية والثروات البشرية. إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ويتقدم في أي مجال كان، دون تنمية موارده البشرية وطاقاته المبدعة، فان الموارد الطبيعية مهما كانت أنواعها لا يمكن استغلالها والاستفادة منها دون وجود الطاقات البشرية، إذ ان تلك الطاقات هي التي تتولى مهمة تحويل الموارد الطبيعية من المعادن والمواد الأخرى من شكلها الخام الى شكلها المصنوع([43]).

لذلك نجد اليوم أن هناك بعض الدول تمتلك موارد وثروات طبيعية متواضعة إلا انها تعد من الدول الصناعية الغنية لأنها تمتلك قدراً كبيراً من العقول والحقوق الفكرية، في حين هناك دول تتمتع بوجود حصة كبيرة من الثروات والموارد الطبيعية فيها لكنها تعد من الدول المتخلفة صناعياً لأنها لا تمتلك من الحقوق الفكرية والثروات البشرية إلا الشيء اليسير، وان رصيدها من الثروات الطبيعية يتناقص باستمرار وذلك بعكس الدول المتقدمة والتي تضيف كل يوم شيئا جديدا الى رصيدها من الإنتاج الفكري والاختراع والابتكار، وهذا يؤكد على ان الملكية الفكرية أصبحت المقياس الذي يحدد ثراء الدول من عدمه([44])، وان الموارد الطبيعية وحدها لا تكفي لبناء دولة منتجة قوية قادرة على التنافس في المحافل الدولية.

إن هذا الاختلاف بين الدول في امتلاكها للحقوق الفكرية أدى إلى تقسيم دول العالم إلى ثلاث مجموعات، الدول المتقدمة، والتي تمتلك معظم عناصر التكنولوجيا، ودول تسعى نحو التطور، وهي التي تمتلك بعض عناصر التكنولوجيا وتسعى نحو امتلاك المزيد منها، أما المجموعة الثالثة والتي تمثل الغالبية، فهي دول متخلفة، تنعدم فيها مظاهر التطور والتقدم وتفتقر إلى عناصر التكنولوجيا والاختراعات الحديثة([45]). فالاختلاف بين الدول في امتلاك هذه الحقوق، يؤدي أيضاً إلى اختلاف كبير في درجة الإنتاج وجودته ومستوى الدخل القومي.

أن أهمية الملكية الفكرية تبرز أيضاً في مجال الاستثمارات المختلفة، حيث ان الحماية القوية لحقوق الملكية الفكرية قد تخدم مصالح الدولة عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال إليها، فالدولة التي تحترم تلك الحقوق يزداد ميل المستثمرين إليها لممارسة نشاطاتهم الاستثمارية فيها في مختلف المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والخدمية.

والكثير من هذه الاستثمارات تحوي شكلاً أو أكثر من أشكال الملكية الفكرية والأسرار التجارية، وبالتالي فان العلاقة بين حماية الملكية الفكرية والاستثمار علاقة هامة، لأنه إذا كان نظام الحماية معدوماً أو ضعيفا، فان ذلك سيؤدي إلى زيادة التعدي على حقوق الملكية الفكرية مما يجعل الدولة أقل جاذبية للاستثمار، أما إذا كان نظام الحماية قوياً وفعالاً، فان ذلك يشجع الاستثمار الأجنبي في الدولة([46]).

أما من الناحية العلمية، فان أية دولة إذا أرادت أن تتقدم وأن تشجع الطاقات البشرية على إطلاق الإبداعات الفكرية، عليها أن تدعم مناهج التعليم في المؤسسات التربوية والتعليمية ومراكز البحث والتطوير وتقوية البنية التحتية في مجال البحث والاختراع والفن والعلوم. إذ لا يوجد تقدم تكنولوجي بدون تقدم فكري ومن دون ضمان الحريات واحترام حقوق الإنسان والعملية الديمقراطية وسيادة القانون وإرادة الشعب، كما وان احترام الفكر الإنساني وما يبدعه وما يضيفه من ابتكارات هو حجر الزاوية في دفع عجلة التطور في أي مجتمع.

إن الصراع العالمي في الوقت الحاضر، وان أخذ أبعاداً سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، هو سباق نحو التقدم العلمي، فجوهر كل صراع هو صراع علمي، وان الدول الصناعية التي تقدمت في مختلف المجالات، جاء تقدمها من باب العلم، فالقدرة على الاختراع والاكتشاف والتأليف لدى تلك الدول إنما جاءت نتيجة لانتشار العلم والمعرفة لديهم([47]).

وقد تؤدي الحماية الفعالة لحقوق الملكية الفكرية إلى تحقق المزيد من الإنجازات التكنولوجية، وإلى تنشيط حركة البحث والاستقصاء لدى المبتكرين، وإلى دفع عجلة التقدم العلمي في كافة المجالات الصناعية والتجارية والزراعية، ولذلك تعد الحماية الفعالة لتلك الحقوق أحد أبرز المقومات الرئيسية لتعزيز القدرات والكفاءات وتشجيع الابتكارات والاختراعات([48]).

لا أحد ينكر أهمية الملكية الفكرية في تشجيع المبدعين والمبتكرين وديمومة نشاطهم في البحث والتطوير وذلك بمكافئتهم عن طريق خلق قوة احتكارية مؤقتة تسمح لهم بتقاضي أثمان منتجاتهم التي ابتكروها([49]). إلّا ان الربط بين الحماية القوية للملكية الفكرية وبين التطور العلمي والنمو الاقتصادي، فهو أمر غير محتوم ولم تثبت صحته، حيث هناك دول كانت حماية الملكية الفكرية فيها ضعيفة، ومع ذلك استطاعت أن تبني لنفسها قدرة تكنولوجية محلية كبيرة، مثل الصين وهونغ كونغ وتركيا والبرازيل([50]). كما وان الكثير من الدول الصناعية اعتمدت في بادئ الأمر على فن التقليد في تطوير قدراتهم العلمية والتكنولوجية([51]).

ولا تقتصر أهمية الملكية الفكرية على النواحي الاقتصادية والعلمية، بل تتعداها لتشمل الناحية السياسية أيضا، إذ ان امتلاك الحقوق الفكرية واحتكارها من قبل الدول المتقدمة، كان ولا يزال السبب الرئيس في تمتع تلك الدول بالمكانة الرفيعة التي تحظى بها بين دول العالم، إضافة إلى النفوذ السياسي الذي تملكه تلك الدول في مواجهة الدول الأخرى([52])، حيث أصبحت الحقوق الفكرية والتكنولوجيا الحديثة سلاحاً بيد الدول المتقدمة، يحتفظون بها ولا يسمحون بنقلها إلى الدول الأخرى إلا بالقدر اليسير وبشروط تعسفية، وذلك حتى يبقى لهم دور الريادة في مجال التكنولوجيا وتضمن صدارة التقدم والتفوق السياسي والاقتصادي في الساحة الدولية، هذا من جهة، وتضمن تبعية الدول الأخرى غير المتقدمة لهم من جهة أخرى.

وتترتب على منح حقوق الملكية الفكرية آثار اقتصادية واجتماعية قد تؤثر على مدى تمتع الإنسان بحقوقه، وتنعكس أهمية الملكية الفكرية في هذا العصر، بالنسبة لحقوق الإنسان، في جانبين، يتمثل أولهما في اتساع المجالات التي تغطيها أنظمة الملكية الفكرية والتي أصبحت تشمل على سبيل المثال، تسجيل الاختراعات المتعلقة بالكيانات البيولوجية، كالنباتات والحيوانات المعدلة وراثياً، وهذا ماجعل من قواعد الملكية الفكرية محاصراً بالمبادئ الأخلاقية، ويتمثل التطور الثاني في ظهور اتفاقية دولية تضم قواعد عالمية تخص الملكية الفكرية وهي اتفاقية (تريبس)، حيث تهدف هذه الاتفاقية إلى توحيد قواعد حماية الملكية الفكرية في العالم، وهذا التوحيد قد يؤدي إلى ظهور أشكال من الحماية للملكية الفكرية لا تتناسب مع الأهداف الاجتماعية لها، أي تحقيق رفاهية المجتمع عن طريق الحماية وتوفير حوافز الابتكار والاختراع([53])، لأن نظام الملكية الفكرية الملائمة لدولة نامية يختلف عن النظام الذي قد يصلح لدولة صناعية متقدمة والتي تسعى دائماً إلى احتكار هذه الحقوق وحمايتها حماية قوية وفعالة.

ولذلك، فان المبالغة في حماية حقوق الملكية الفكرية أو عدم وجود الحماية تؤدي إلى إعاقة الإبداع واعتراض سبيله وتؤثر بالتالي على تمتع الإنسان بحقوقه، لذلك، ولتحقيق الرفاهية، فان التوازن ضروري بين حماية مصالح المجتمع وبين المصالح الخاصة لأصحاب حقوق الملكية الفكرية، أي التوازن بين حق كل فرد بالتمتع بمزايا التقدم العلمي وتطبيقاته، وحق كل فرد في حماية مصالحه المعنوية والمادية الناجمة عن أي اثر علمي أو أدبي أو فني من صنعه([54]).

إن قوانين الملكية الفكرية تعد من أحدث المواضيع القانونية، كونها تنظم وتعالج الحديث والجديد من العلوم والفنون والتكنولوجيا. لذلك فان طبيعة قوانين الملكية الفكرية تختلف عن القوانين الأخرى، كونها تتضمن جوانب قانونية وتقنية تؤثر وتتأثر بالتكنولوجيا والعلوم الحديثة([55]). ويعني هذا ان قوانين الملكية الفكرية في أزمة دائمة، إذ إنها محاصرة بوجود ممارسات الثورة التقنية الرقمية (Digital) والتقنية الحيوية([56])، وظهور مصطلحات قانونية جديدة كالجرائم الالكترونية أو القرصنة الإلكترونية.

وهذه المسائل جميعها تمثل تحدياً جديداً أمام الملكية الفكرية كونها تعد الشكل القانوني لعصر المعلومات، ولذلك عليها استيعاب المستجدات التي أفرزتها الثورة التقنية والتكنولوجية، إما عن طريق تكييف القوانين الحالية للملكية الفكرية بشكل يمكنها تنظيم هذه الحقوق والمستجدات، أو عن طريق تعديل قوانين الملكية الفكرية أو إحداث الجديد منها بحيث تغطي التقنية الحديثة([57]).

ومن الناحية الثقافية فان حماية الإنتاج الفكري هي إحدى الوسائل الهامة لدعم وإثراء ونشر التراث الثقافي([58])، وذلك لأن دعم وإثراء الثقافة الوطنية لأي شعب يعتمد على مستوى الحماية التي تتوفر للإبداع والابتكار الذهني، إذ قد يؤدي احترام حقوق المؤلفين وتوفير المناخ الملائم لهم إلى تحفيزهم وتشجيعهم على الإبداع والابتكار.

كما وان لحقوق الملكية الفكرية أهمية كبيرة من الناحية الفنية والأدبية، حيث إن انتهاك هذه الحقوق أو سرقتها أو تحويرها تضر بالفنانين والأدباء، ونجد ان بعض الفنانين يتعرضون للعديد من الانتهاكات، ومن هذه الانتهاكات إعادة توزيع الألحان وإعادة طبع المصنفات دون إذن من المؤلفين أو اقتباس بعض الأسطر من مؤلفاتهم دون ذكر أسمائهم([59])، وهذه الانتهاكات للحقوق الفكرية قد يضر أيضاً بالمسيرة الأدبية والفنية للدولة التي ينتمي إليها الفنان أو الأديب.

الصفحات