كتاب " المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي " ، تأليف صباح لطيف الكربولي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين. أما بعد:-
فلما كانت المعاهدات الدولية مصدرا من مصادر القانون الدولي والمعبرة بصورة صريحة عن إرادة الدولة فإن الإلتزام بتنفيذها وتطبيقها يحقق الاستقرار في العلاقات الدولية، وإن عدم الإلتزام بأحكام تطبيق هذه المعاهدات وقواعدها يؤدي بالتأكيد إلى الاختلال في القانون الدولي وبالتالي تسود العلاقات الدولية الفوضى والنزاعات المسلحة وهذا ما يعرض البشرية إلى الويلات والكوارث المدمرة. وقد أولت الشريعة الإسلامية الغراء اهتماما كبيرا بقيم العدل والمساواة في التعامل فيما بين البشر سواء بين الأفراد أو الجماعات أو الدول، ولما كان تعامل الناس هو من ضروريات الحياة واستمرارها، وإن ذلك لا يستقيم إلا من خلال التعاون وعقد المعاهدات والاتفاقات، لذا أوجب الله تعالى على المؤمنين الوفاء بالعهود والمواثيق التي ألزموا أنفسهم بها، قال تعالى في محكم كتابه ﴿وبعهد الله أوفوا ﴾[1] وافتتحت سورة المائدة بآية العقود ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ أن اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾[2]، مطالبة الذين آمنوا بالوفاء بما تعاهدوا عليه مما يعطي للعهود الأهمية البالغة ووجوب احترام العقود والالتزام بتطبيقها وتنفيذها كاملة.
إن كثرة النصوص التي وردت في القرآن الكريم في هذا الشأن تؤكد قيمة الوفاء بالمواثيق والعهود ومنزلة الموفين عند الله سبحانه وتعالى، وفي المقابل فإن الناكثين بها مما يدل على أهمية هذا الموضوع وخطورته بالنسبة للدول والمجتمعات الإنسانية.
ولا يقتصر وجوب الوفاء على المؤمنين فحسب، بل يجب على الطرف الثاني أن يفي بالاتفاقات المبرمة، حيث قال الله سبحانه وتعالى: ﴿بلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾[3] مما يبرهن على أهمية العهد والالتزام به وتنفيذه وهو معلق في رقبة صاحبه حتى يوفي به كاملا وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أشدهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ أن الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾[4]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تفعلون كبر مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾[5].
إن بذل العناية اللازمة لمسألة الالتزام بتنفيذ المعاهدات وتطبيقها هو التعبير الحقيقي عن الرغبة والإرادة في إبرامها أصلا وهذا بالتالي يستلزم على عاقديها الاهتمام بالمعاهدات التي يعقدونها شكلا ومضمونا ومن ثم الالتزام بتنفيذها.
وما يجري في الساحة الدولية من هدر لحقوق الشعوب عامة و المسلمين خاصة أدى إلى فقدان الأمن والأمان نتيجة عدم الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية، إذ بقيت المعاهدات والمواثيق الدولية مركونة على الرفوف، ولم يلتزم أحد بالوفاء بتلك المعاهدات إذ يجب الالتزام بها في القانون والشريعة الإسلامية وجوباً، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا ُيبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾[6].
كما أن القانون الدولي "لم يحدد العقوبات التي يجب فرضها في حالة النكوث عن تنفيذ المعاهدات والالتزام بها، والسلطة التي يمكن أن تفرضها، و تطرق فقط إلى تحقق المسؤولية الدولية واللجوء إلى المحكمة الدولية بإرادة الطرفين المتنازعين"[7] على اعتبار أن غياب سلطة عليا تنفذ القانون الدولي وتطبقه، "وتمسك الدولة بمبدأ سيادتها، على أساس أنه ليس للمتساوين سلطات بعضهم على بعضهم الآخر"[8] وأن هذا المبدأ قد دفع المجتمع الدولي إلى البحث عن أسس وأساليب تنفذ بموجبها الدول التزاماتها الدولية التي ارتضتها ووافقت عليها بمحض إرادتها بموجب معاهدات دولية وقعتها وصادقت عليها بموجب دساتيرها الوطنية، فوضع الفقه الدولي الأساس النظري لالتزام الدولة بالمعاهدات الدولية على أساس أن التزامها يقوم على قبولها الصريح بها مما يجعلها ملتزمة طبقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وأن عليها تطبيق المعاهدة بحسن نية من أجل إقامة العلاقات الدولية الودية وتنميتها. غير أن ما يحصل في الواقع هو أنه كلما وجد مبرم المعاهدة أو الاتفاقية مصلحة في التنصل منها والنفاذ من الالتزام بها سلكه.
كذلك أصبح موضوع تغير الظروف موضوعا شائكا ومثار جدل واسع النطاق بين الدول وفرصة لمن يرغب في التنصل من التزامه معرضا مصالح الطرف الآخر إلى الضرر.
لهذا جاءت هذه الدراسة في موضوع إلزامية تنفيذ المعاهدات الدولية بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي بوصفها محاولة متواضعة لإبراز الحالات التي تحدث عنها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وبيان دور الوفاء والالتزام في بث الطمأنينة في نفوس البشر وتوفير الأمن والأمان لهم في الحياة والأموال وحفظ الحقوق لما لذلك من أهمية كبيرة وبالغة في ترسيخ العلاقات الإنسانية على مستوى الفرد والمجتمع والدول، إذ إن الوفاء بالعهد من منظور القرآن الكريم مقترن بالتقوى وذلك مما يحبه الله ويرضاه فيقول جل شأنه: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾[9].
وفي هذه الدراسة سنسلّط الضوء على مبادئ القانون الدولي التي عالجت موضوع إلزامية تنفيذ المعاهدات الدولية ابتداءً من ديباجة ميثاق هيئة الأمم المتحدة في صفحته الأولى والذي ورد فيه: وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي.
ومتى فقدت هذه المعاني أصبحت المعاهدات حبرا على ورق كما هو شأن الكثير من المعاهدات والمواثيق المبرمة في عصرنا الحالي وما كان لها من آثار سلبية مدمرة.
إن عصر الاحتكار والاستغلال والاستعمار والامتهان لكرامة الإنسان لا يزال موجودا على الرغم من وجود هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة وإصدارها القوانين العديدة التي تمنع الاعتداء وسلب الحقوق ومصادرة أوطان الشعوب، و لا سبيل لإنقاذ البشرية إلا في تشريعات عادلة لا تفرق بين الناس بسبب ألوانهم وعقائدهم وأجناسهم، وتشريعات تحمي الضعيف من القوي والفقير من الغني، غير أن المقارنة بين الفقه الاسلامي والقانون الدولي لكي تكون صحيحة يجب أن تكون بين أمرين متماثلين في بعض الوجوه، فأما أن يكون بينهما تباين أساسي في المصدر ينتج عنه تباين أساسي في التفاصيل فإن المقارنة تصبح غير سليمة، إلا إذا تجاوزنا هذا وكانت الغاية هي إبراز فضل جانب على آخر بصرف النظر عن التباين في المصدر والمضمون.
وهذه لبنة على طريق بيان فضل حكمة التشريع الإلهي وكشفه في أهم ما يمكن أن يوثق العلاقات الدولية الإنسانية بين الدول والتي رسمتها الشريعة الإسلامية التي آخت بين الناس على أساس الدخول في دين الله تعالى حيث يقول جل شأنه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخوة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[10]. ويستفاد من هذه الآية الكريمة أن الإصلاح بين الدول إصلاحاً سياسياً يكون بواسطة عقد المعاهدات والاتفاقيات ولا يوجد نظام أمضى و أزكى من النظام السياسي الذي يضع أصوله عقد ملزم تبين صيغته وطبيعته العلاقة بين الدول.
وجاءت هذه الدراسة محاولة لإبراز مواطن القوة والضعف في مسألة تنظيم العلاقات الدولية فيما يخص الإلزامية في تنفيذ المعاهدات الدولية إحقاقاً للحق ولمزيد من الاستقرار في العلاقات الدولية بين الأمم والشعوب وصولاً إلى المعاني السامية التي يحملها التراث الإنساني الخالد.