كتاب " الدراما النسائية في المسرح العربي الحديث " ، تأليف رؤذان أنور مدحت ، والذي صد عن
أنت هنا
قراءة كتاب الدراما النسائية في المسرح العربي الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
و هذا ما زعزع كيان النساء المبدعات و أصابهن بعقدة الأنثى و الأنثوية و الفيمينستية، و غيرها من المصطلحات. فالصراع و النظرة الدونية هما يصنعان التمييز العنصري، فما الفرق بين النظرة الدونية الى أسود البشرة و النظرة الدونية الى المرأة؟!.
الشىء نفسه و هذا التمييز يخلق العنصرية و يجعل من المقابل أن يصارع بطرق شتى ليثبت ذاته، و الهدف يصبح اثبات الذات و سحق المقابل، و بهذا تختل الغايات، و يدور صراع يسحق الطرفين، بسبب هذه النظرة، و هنا حصل الشىء نفسه، المرأة حاولت أن تثبت حالها و تتصدى للرجل، مثلما فعل هو، و ظهر أدب المرأة و أدب الرجل، و افترقت الأغراض، باتت بعض الأغراض خاصة بالنساء، و أخرى بالرجال، و ظهر النقد الفيمينستي، و الأسلوب الأنثوي غير الأسلوب الرجالي، و في زمن ما شجّع النقاد التفريق بين الأدب المكتوب بقلم الرجال، و المكتوب بقلم النساء، و سألوا أسئلة كثيرة، حول لغة النساء و موضوعات كتاباتهن وشحنة العاطفة الكامنة في أدبهن، فسؤال مهم طرح نفسه: هل الأدب الأنثوي باستطاعته أن يخلق له مملكته الخاصة و ملامحه المتفردة و جزره و عالمه و أجواءه؟، و هل حقاً اذا غيبنا اسم المرأة المبدعة استطعنا وضع اسم رجلٍ مبدعٍ مكانه؟ و هل ان روحها و أنوثتها تتجلى عبر فنها الابداعي؟.([11]) صحيح أن بيولوجية الجنسين تجعل كليهما مختلفين، و لكن ليس هناك ما يسمى لغة الرجل أو لغة النساء، فالكتابة تعتمد على المخزون الثقافي لكلا الجنسين، و هذا المخزون هو الذي يتحكم بلغة الكتابة و ليس اختلاف الأجناس. و كما ((يوجد اختلاف بين كاتب و آخر من الرجال أنفسهم فقد يلاحظ القارئ شيئاً من الاختلاف بين كاتبة و كاتبة وهو التنوع الطبيعي الذي تفرضه قوانين الابداع الحقيقي في كل زمان و مكان))([12]).
كما أن لكل كاتب أسلوبه الذي يميزه من كاتب آخر، و المبدع سواء أكان رجلاً أم امرأةً، يتفوق مهما جرى، على مر السنين. لذلك بعد أن نالت المرأة بعضاً من الحرية التي فقدتها زمناً طويلاً، خرجت من الصراع، و أبدعت و خفّ الصراع بينهما، و الآن الكل يكتب و مايميز مبدعاً عن آخر هو عمله و درجة ابداعه و ليس جنسه.
كذلك كانت المرأة معينة الرجل على أن ينظر اليها نظرة ذكورية كما يؤكد د. عبدالله الغذامي بوجود ((حس طروب يهش لأي نكتة أو خطاب يصور الجسد المؤنث على أنه معطي شبقي فحسب، تشير الى ذلك الخطابات الشائعة في لغة الأفلام و الأزياء و أغلفة المجلات و المعطي الاعلامي عموماً، مما هو ليس من نتاج الرجل وحده بل أن النساء أنفسهن تشاركن في انتاج هذه الصورة ))([13]) هذا ما فعلته فئة من النساء، ليثبتن أنفسهن، و لكن بهذا العمل شوهن النظرة الانسانية اليهن، لكن فئة أخرى هن المبدعات، حاولن العكس، و استطعن لفت الأنظار الى عقلهن و ادراكهن، فأثبتن أنهن كالرجال يملكن كل ما يملكونه، و بهذا ساعدن على اعادة النظرة الانسانية الى المرأة .
إن المرأة في المجتمع العربي و الاسلامي أسهمت في كل العصور، على الرغم من الصعوبات في النتاج الأدبي، و أول ما بدأت بالكتابة نظمت الشعر، و بثت مشاعرها و أحاسيسها بدلاً من كبتها و اخفائها، لكنها لم تستطع أن تبثها من دون مخافةٍ أو احراج، فماذا فعلت؟ بدأت بالرثاء و البكاء، و نأت عن الغزل و السياسة، مما أدى الى نسبة هذه الأغراض الشعرية اليهن و تحريم بعضها الآخر عليهن. لكن بعد مدة ظهرت شاعرات نظمن ما يشعرن به و ليس ما يجب أن ينظمنه، الا أن الخوف ظل يلاحقهن.
مثل: (الخنساء(575): و التي عرفت بشاعرة الرثاء، و كانت العاطفة قوام شاعريتها، و قد جمعت بعاطفة الخنساء بين لين الأنوثة و شدة الرجولة) و هذا نموذج من شعرها ترثي فيه أخاها:
ضاقت بي الأرض و انقضَّت مخارُمها
حتى تخاشعتِ الأعلام و البيدُ
و قائلين تعزّي عن تَذكّره
فالصبر! ليس لأمر الله مردودُ
يا صخر قد كنت بدراً يُستضاءُ به
فقد ثوى يوم متَّ المجد و الجود
فاليوم أمسيتَ لا يرجوك ذو أمل
لما هلكت و حوضُ الموت مورود([14])
ثم نأتي الى عهد صدر الاسلام و الأموي، فنرى (ليلى الأخيلية 695) التي نظمت في (المدح، و الهجاء، و الرثاء)، و قالت أشعاراً تصف فيها شجاعة حبيبها "توبة"، و شعرها هو شعر أنثوي خالص، مرهف العاطفة، سلس الكلام، يجمع بين رقة العاطفة و رقة اللفظ الى قوة السبك. وهي بعد "الخنساء" من كبرى شاعرات العرب.
تقول في رثاء حبيبها:
فآليت لا انفك أبكيك ما دعت
علي فننٍ ورقاءُ أو طار طائرٌ([15])
و هنالك رابعة العدوية (718م): و تكنى ب"أم الخير"، و هي عابدة ومتصوفة وأحد الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي، وتعتبر مؤسسة أحد مذاهب التصوف الإسلامي وهو مذهب العشق الالهي. أنعم الله عليها بموهبة الشعر وتأججت تلك الموهبة بعاطفة قوية ملكت حياتها فخرجت الكلمات منسابة من شفتيها تعبر عن ما يختلج بها من وجد وعشق لله، وتقدم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها ليحبوا ذلك المحبوب العظيم. ومن أشعارها حول حب الخالق تقول:
فليتك تحلو و الحياة مريرة
و ليتك ترضى و الأنام غضاب
و ليت الذي بيني و بينك عامر
و بيني و بين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
و الكل الذي فوق التراب تراب([16])
وفي العصر الأندلسي ظهرت الشاعرة (ولادة بنت المستكفي بالله)، و هي أميرة و شاعرة، و صاحبة أول صالون أدبي في الأندلس، و هي عكست في شعرها صورة المرأة الأندلسية التي عرفت التألق الحضاري و الانعتاق الفكري. و لم تكن تحس بأي نقص حيال الشعراء الرجال في عصرها، بل كانت تقف نداً لهم، و تخاطبهم بلغتهم و تنافسهم في كل ما يفعلون.([17])
وهكذا في كل عهد و زمن برزت شاعرات عربيات أصيلات، حتى نصل الى القرن العشرين حيث برزت شاعرات أبدعن في فن الشعر، بسبب دخولهن التعليم العالي، مما فتح نافذة بصرهن على المديات الواسعة و الآفاق الرحبة، و التعليم العالي جعلهن يتطلعن على ثقافات العالم وهذا أدى الى أن يبدعن في مجال تخصصهن. منهن "نازك الملائكة" التي أسهمت في تطوير الشعر العربي و أخرجته من ركوده و من شكله التعبيري، اذ جاءت بشعر التفعيلة الذي كان دعوة للخروج من قيود الوزن و القافية الموحدة. و الآن هناك عدد كبير من الشاعرت ينظمن في جميع الأغراض الشعرية و بينهن مبدعات، كما بينهن أنصاف مبدعات، مثلهن مثل الرجال من الشعراء.