أنت هنا

قراءة كتاب الدراما النسائية في المسرح العربي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدراما النسائية في المسرح العربي الحديث

الدراما النسائية في المسرح العربي الحديث

كتاب " الدراما النسائية في المسرح العربي الحديث  " ، تأليف رؤذان أنور مدحت ، والذي صد عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 10

و بعد مدة من ظهور هذا القناع النسائي، بدأ الصبيان يؤدون أدوار النساء، فيلبسون ملابس النساء و يضعون المكياج على وجوههم مثل المرأة، و كانوا يتدربون تدريباً خاصاً كي يستطيعوا اقناع الجمهور بأدوارهم النسائية و ليس الصبيانية. و كانت محاولة الاقناع هذه تتطلب جسداً غير عادي أي مستعاراً قادراً على تقديم العلاقات الأنثوية، و بذلك أصبح للفتى حياتان و جسدان، حياة مسرحية فنية متمثلة في اداء دور المرأة و محاولة اقناع الجمهور بهذا التمثيل، أي أنه (هي) و ليس (هو)، و حياة عادية يومية متمثلة بكونه (هو) أي دوره الطبيعي في الحياة. ([31])

و قد بلغ التدريب و التركيز على اداء الصبيان دور المرأة حداً من الأهمية ما جعل دولة مثل (اليابان و الصين) تهتم اهتماماً كبيراً بتنمية العنصر النسائي في المؤدين الصبيان، عندئذ بدأت تربية الصبيان منذ الولادة تربية خاصة، تربية الفتاة أي دورهم الثاني في المجتمع، فكانوا يربونهم و كانهم فتيات على الحس و رقة المشاعر و الحديث الأنثوي و التصرف برقة، أي بدأوا بتغيير جنس الذكر الى أنثى تغييراً نفسياً و ليس بيولوجياً، و لو كان الطب متقدماً كما هو الآن فلربما غيروهم بيولوجياً أيضاً. و كانوا يسمون هؤلاء الصبيان (أوناجاتا) ([32]) و هذا حدث منذ بداية القرن الثامن عشر، و كانت تربية الفتيان هذه تربية خاصة على وفق الوراثة، أي ينتقل هذا الدور بين أفراد عائلة واحدة أباً عن جد.([33])

إنّ هذه الظاهرة ولدّت التناقض و التصادم بين الحقيقي و اللاحقيقي، و قد يكون الغزل الشاذ توَّلَد من افرازات هذه الظاهرة غير الانسانية. إذ بدأ الفساد يحل بالمجتمع حيث الذكر يحب الذكر، و الأنثى تحب الأنثى، لكن هناك أسئلة ملحة تطرح نفسها، لماذا بوجود المرأة الحقيقية يعتمد على الجنس الآخر ليؤدي دور المرأة؟! و مادام المجتمع لا يستطيع تقبل المرأة على خشبة المسرح، فلماذا يتوجب تجسيدها في المسرحيات؟! و لماذا يتلهفون الى تمثيلها اذا هم لا يريدونها ان تؤدي دورها الحقيقي و الطبيعي في المجتمع داخل البيت او خارجه؟!. أسئلة كثيرة و كثيرة لكن لا جواب لها، لأن المجتمع لمّا يفهم بعد خصوصية و طبيعة كلا الجنسين .

و اذا كان المسرح لصيقاً بحياة المجتمع، و محاكاة للواقع، فلماذا كل هذا التناقض اذن؟ و لكن كل هذا الكبت و الحرمان، جعل المرأة أن تبحث عن حلول كي تستطيع الخروج من قوقعة البيت، فرأت أنها تستطيع أن تفعل كما يفعل الرجال، أن تقنّع نفسها بقناع الرجال و تؤدي أدواراً رجالية، و بهذا تستطيع ان تخفي حقيقتها و ملامحها النسائية، و تستطيع الخروج، مثلها مثل الرجال، و تمثل أدوارهم، و كان بعض الممثلات يرين في الأدوار الرجالية مواجهة حقة مع التقاليد المهنية و الاجتماعية معاً، فلذلك مثلن أدوار الرجال و قصصن شعورهن و تصرفن كما يتصرف الرجال([34])، تحدياً للمجتمع و للعادات و التقاليد.

من هؤلاء الممثلات "سارة برنار" ([35]) التي مثلت أدوار الرجال، و كانت مدهشة في جذب انتباه المتفرجين و جعلهم في حالة اصغاء مستمر.([36])و لربما كانت على سجيتها حينما تمثل تلك الأدوار، لأنها لم تر في صورة المرأة ما يحقق أحلامها، و لم تجد في النصوص المسرحية شخصية تمثلها كما هي أحبت، و لذلك بحثت عن أدوار أخرى تعجبها و تتلاءم معها، ورأت في أدوار الرجال ما تبحث عنه، لذلك مثلت تلك الأدوار و تميزت فيها، لكن المجتمع لم يتقبل تمثيل أدوار الرجال من لدن المرأة، في حين قبل العكس و شجعته حوالي قرن من الزمن، و سبب عدم قبوله لهذه الظاهرة يقوم على مبرر واهٍ، و هو أن هذا التمثيل يترك بصماته مثل الخشونة أو اللفظ البذئ عليهن([37])، و بهذا يؤكدون كرةً أخرى بأنهم ينظرون الى المرأة مجرد جسد، و أنها للمتعة و يجب أن تكون رقيقةً و حنوناً و ما الى ذلك، يريدون أن يطبقوا عليها ما هم يريدون، و لا يحسبون أي حساب لما هي تُريد! فلا يتروكونها تتعامل كما هي، و تتصرف على سجيتها.

لكن بعد تطور العلم، و بعد صراعهن الطويل مع المجتمع، و مع تقاليد و سنن كثيرة فرضت عليها، استطاعت ان ترجّع حقها المشروع في التمثيل على الخشبة عام 1827، بعد انتظار دام نصف قرن حتى قيض لهن أن يحلن محل الممثلين الرجال. و ثمة من يعزو هذه الحركة المتقدمة الى تأثير السينما بانتشارها الواسع([38]).

لكن في المجتمع العربي كانت المرأة في المرتبة الثانية دوماً، و لا تزال فهي ((دون الرجال و تابعه و هو الوصيُّ عليها))([39])

و انما وجدت لتمتع الرجال في المرتبة الأولى ثم لتكون أداةً لحفظ النسل و صنع رجال الغد.

الصفحات