كتاب " الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540 " ، تأليف قاسم الغزالي والذي صدر عن مؤسسة شمس لل
أنت هنا
قراءة كتاب الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جلستُ كثيرًا مع نفسي ولوحدي لساعات وأنا أفكِّر، لماذا أنا موجود هنا ؟ في هذه النقطة بالذات، وأقف أنا مقيد اليدين والرجلين لا أستطيع الحراك.. لماذا يجب عليَّ الخضوع لبراثين الواقع عوض العمل على إعادة تشكيله من العدم ؟ لماذا لا أخطو أولى خطواتي نحو الحرية، ما دمتُ أدافع عن قضية عادلة ؟ إنها قضيتي الذاتية؛ وجودي؛ مستقبلي؛ حياتي.. أكيد يجب أن أفعل شيئًا.
لماذا لا أحاول أن أعالج وطني من جروحه وانكساراته عوض أن ألعنه في السر والعلن ؟
تكرَّرت الأسئلة بداخلي، اختلطت مشاعري، قمت وقعدت، تألمت، مِتُ آلاف المرات دون أن أفارق الحياة...
ثم في الأخير، لم أجد أمامي سوى لوحة مفاتيح الحاسوب.
أنشأتُ مدونة واخترت اسمًا لها على الفايسبوك، في البداية تقمصتُ أسماء مستعارة كثيرة، فكَّرتُ أن ذلك من شأنه أن يؤجل ميعاد موتي قليلاً...
ثم بدأت المعركة.
محارب رقمي؛ ربما دونكيشوت جديد؛ أنقر لوحة المفاتيح، فيضان جارف من الغضب يتحول إلى حروف ثم كلمات ثم نصوص طويلة، طويلة جدًا... مع الوقت أصبح عندي جمهور قُرَّاء، ولكلماتي أنصار.. مؤيدون ومعارضون، رسائل تشكرني وتمدح شجاعتي، بجانبها أخرى تسبني وتلعن أمي، تتمنى الجحيم لي الآن.
هكذا جنيتُ على نفسي، وهكذا أدَّيت ضريبة الحرية.. وأنا أتوقع في أية لحظة قد يكسر البوليس باب المنزل ليعتقلني ويحاكمني بتهمة مجرم رأي وتعبير، أو أن يتعرف إليَّ أحد المؤمنين الذين اطلعوا على كلماتي مرة فأغضبتهم بعدها آلاف المرات. يلاحقني مشيًا، يجتازني، وأبقى أنا مُلقى بالشارع؛ كقشرة نبات يابس…
هذه هي الخطوط والدوائر والإشارات التي تحبك روايتي، سأحكيها لكم، سأروي لكم قصتي كما عشتها من إحدى قرى المغرب النائية حتى مدينة زيورخ السويسرية؛ بلد اللجوء السياسي.
سأحكي لكم عن الحب والجنس.. عن الصداقة والعداوة.. عن الإيمان والكُفر.. عن الأسرة.. عن الخطيئة.. عن الملك والإله... ثم سأدعوكم جميعًا للجلوس معي على مائدة واحدة لنتأمل الطريق كما هي.
لقد كتبت هذه الصفحات في غفلة من الوقت، وكنت دائمًا أحاول أن أسرق شيئًا مني لأستعمله كآلة كاتبة ترقن كلماتي بعيدًا عن الرقابة والخوف...
فها أنا أسرقكم معي إلى عوالمي التي ترفض أن تنتهي.