كتاب " الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540 " ، تأليف قاسم الغزالي والذي صدر عن مؤسسة شمس لل
أنت هنا
قراءة كتاب الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
علاقة غير شرعية : الـوطـن
بقيتُ محافظًا على كبريائي، متمددًا على السرير، ملتصقًا بقوة مع ظلي المنهزم… رغم كل ما حصل ليلة البارحة ودام حتى وقت متأخر؛ لم أستطع لملمة أية كلمة هاربة، أعتقها خارجًا كتحية للصباح.
كانت هي نائمة، بينما ترسم عيناها المغمضتان ابتسامة مشبعة بالسعادة، بدوتُ أنا متعبًا محروقًا بجذوري الأمازيغية، في هدوء الظلمة وانسدال الستائر أتحرك، أسحب جسدي، أحاول قطع ما بيننا من تماس، القطيعة صعبة، مؤلمة، حادة، تقبض أنفاسي.. لكنها ضرورية... هي لم ولن تكون حبيبتي.
حُبُّنا ليس موقعًا في كناش أو عقد أو حتى تصريح عاطفي متبادل، إنه حُبُّ المشردين، عابري السبيل والمحرومين مثلي، حُّبُ الجوعى والمرضى الباحثين عن أقرب دار "إطفاء" تساعد على إنقاذ ما تبقى من حياتهم البئيسة.. لقد كانت سجني؛ وأنا حارسه.. الآن انهارت أسوار السجن وصرتُ عاطلاً، لم تعد لي وظيفة، لذلك يجب الرحيل، حمل الحقائب والذات من أجل السفر نحو اللا مكان.
أزيح خرقة الغطاء المبلولة بحبنا من على نصفي الأسفل، ثم أقف عند رأسها كما اعتادت أن تزورني في " الحلم " تاركة وراءها لا أثر.. ألمس شفاهها الذابلة من بعيد، ثم أرسم نبض قبلة يتيمة على جبينها، دون أن أنبس بحرف أو أقوم بخطوة.
متهورة توقظ الملاك من سمائها المليئة بالبرد والتسونامي، أجتاز الغرفة نحو الخارج، تحملني ذاكرتي وأنا أخطو نازلاً الأدراج إلى بقايا صور مشوشة عن قريتي ورائحة أمي المقدسة، أتذكر ضحكاتي ودموعي وأحلامي، أتذكر براءة الطفولة المصلوبة، وسيمفونية جبال الأطلس، أتذكر ألوان شمس المغيب وأنا عائد بخطو رشيق من مدرسة القرية...
أتذكر كيف تعلمتُ الاستمناء وطقوسه التي كنا نباشرها مع صبية المسجد، أو فرادى في انطواء سجودي تحت أفرشة الغرف المهجورة نهارًا.
يوم صيفي جميل، بهدوء سويسرا المعتاد، وسكونها المميت... تلمس الأشعة الذهبية جلدي، أشعر بالانتصار، مع نشوة شعور بالغربة وقوس قزح.. بين الأحياء النظيفة والمنازل العالية أرفع التحدي في وجه الصباح. أحاول تشتيت بصري بحذق نبه، كي أجد ما أدمنت رؤيته كل مطلع يوم جديد، ملقى في أبهى حلله أمامي، أو ملتصقًا بحذائي الرياضي من النوع الرديء، أريد كما هي عادتي، أن أتحدى نظافة الطِباع قبل الشوارع...
أتساءل بفيض من القلق والتوتر: لماذا كل شيء نظيف، نقي، ناصع ؟