أنت هنا

قراءة كتاب الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة:
الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540

الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540

كتاب " الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540 " ، تأليف قاسم الغزالي والذي صدر عن مؤسسة شمس لل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

الـمـطــار

لم أصدق نفسي وأنا أطلُّ بكل أطرافي من مصعد الطائرة محدقا في كل مكان.

يبدو الهواء مألوفًا حتى الآن، لم يتغير شيء.

الشمس هناك في مكانها وبنفس لونها المعتاد، وخصلاتها الشقراء المشعة، وبريقها السائل الخاطف للقلوب...

تمامًا كما حلمت بها، بعد سنوات عديدة بليالٍ طوال، كنا هنالك بالوطن اليتيم نعاقر كؤوس النبيذ الرخيص ونحن نمارس العالم السفلي والمعاشرة الجماعية لليل، أو نراجع بعض المحاضرات من مذكرات التاريخ، وكراسينا الخشبية المهشمة الأرجل تستغيث ثقل أحلامنا المسافرة بلا حدود، بينما أرجلنا مغطوسة في الماء البارد كي نقاوم النوم سوية استعدادًا لامتحانات البكالوريا، نقرأ ونسمع، ثم نحلم من جديد بشمس الحرية، وعصر الأنوار وفلسفة الإنسان.. نرتكب كل الأسئلة الوجودية ونرتكب كل أنواع الخطايا، ثم ننتهي بمضاجعة الله على موائدنا الفقيرة، بكأس شاي وقطعة خبز حافي.

كرهنا خريطة اسمها الشرق.

كما كرهنا كل شيء يأتي من جغرافيته، حتى شمسه نحن في غنى عنها بعد أن أضاءت بيوتنا مصابيح الغرب وشموع الغرب وكتب الغرب. شمس الشرق مدمرة، حارقة كنار جهنم، الكل هنا يحكي قصتها، يوم أتت إلينا محملة بأيديولوجيا الحقد والحرب، وألسن من الكآبة الجارحة والرياح المشبعة بكل أمراض الروح والبدن...

تشرق في الصباح بأطنان من الهمِّ والألم...

وتغرب في المساء وقد لفظت وراءها مجاعات وآفات خطيرة وأرواح موتى لا تغادر الأرض.

وكلما أفقنا من نومنا؛ نحلم بالشمس من جديد، وننتظر على كراسينا المهشمة الأرجل يومًا ما، يومًا تكسر فيه القواعد وتطلُّ علينا برحمتها المنقذة من وجهة جديدة غير الشرق اللعين.

العاشرة صباحًا...

حياة نشيطة بالمطار، عربات زجاجية صغيرة في حركة سريعة، وجوه من الذاكرة تمرُّ أمامي كوميض البرق، بكل ما تحمله من مكرٍّ وحنانٍ وخيالٍ فاسد لا يصلح لأي مشروع إنساني أو حتى هدف تافه، قد أبدو مجحفًا، متنكرًا، منسلخًا، فارًا من حقيقة وخبث نفسي، قد تكون تلك الوجوه التي أكرهها هي أنا، هي صفتي ومركبات نقصي، هي تشوهاتي وضوضائي.

إنها وجوه منحوتة بعمق على صدري النحيف، كلوحة سريالية بدون ألوان، حدس مركب متعفن بقتامة المنشأ ووحشية الطباع، أستطيع أن أخمن أسماءها وأعمارها، ابتسامات مكسورة وباردة يقبع وراءها كون من الألغاز.

أتطلع باهتمام إلى سماع نبض السكون الذي يطبعه الجميع تحت معاطفهم، أترنح بحقيبتي ثم أقف مثلما هم واقفون، أنتظر إحدى العربات الزجاجية التي ستقلنا لحمل أغراضنا والخروج من المطار الذي بات يخنقني.

‎ينظر إلى عيني من تحت نظارته التي تبدو كأنها مكسورة فوق أنفه الدقيق، يسألني:

- عمل أم سياحة؟

أتمتم وأنطق بمشقة :

- لاجئ سياسي.

الصفحات