كتاب " الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540 " ، تأليف قاسم الغزالي والذي صدر عن مؤسسة شمس لل
أنت هنا
قراءة كتاب الدار البيضاء - جنيف / رقم الرحلة : 8J 540
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حتى حينما زار الملك قريتنا ذات عام، رغم الشهور الطويلة التي أتَّمها عمال النظافة في التقاط الأزبال والفضلات المتناثرة كفسيفساء ألفناها وألفتنا، لم تكن هذه صورة قريتي... هل هو الفوتو شوب؟
إنه وهم وسحر الغرب الكافر.
الآن أحسُّ بالمرض، تشخيص حالتي لن تجدي معه وصفة أي طبيب، وضعي خطير، هنالك شيء جد مهم ينقصني، جزء من بنيتي الثقافية والاجتماعية غائب، بل إنه أنا، نعم أناااا.
أنا القادم من مزبلة البشرية بلا بوصلة.. لم أفقد الأمل، واصلت البحث بلهفة، كدت حيالها أن أفقد الطريق إلى محطة القطار، مخاطبا نفسي :
- خطوة واحدة فقط وسأجدك.
سوريالية أليمة، استسلمت لواقع تمنيت أن يكون زائفًا... الآن، أنا على بعد أمتار من محطة القطار، أما قلبي فقد اعتاد خيبة الآمال.. شعرت بوخزات شديدة؛ شديدة جدًا؛ تنتاب كل جسدي في انتظام وفق إيقاع مختلف عن أي شعور سابق... أحملق كما يحملقون، هم عادة لا ينظرون إلى وجهك.
أحاول أن لا أنظر إلى الوجوه وتضاريس أجساد الفتيات اللواتي لا تختفي خلف الحجاب. أحيانًا، أجد عيوني مفتوحة وذهني شاردًا، وأنا مركز بصري إلى عصفورة شقراء جالسة هناك، تحتسي الجعة وتدخن المارلبورو...
ربما أقترب منها بخطوات الشيطان، أحاول سؤالها بلهجتي الألمانية الركيكة عن شيء ما...
لحظة.. ماذا لو اكتشفتْ أنني مغربي؟ هل سيكون من السليم أن أقول لها من أول جملة :
- أنا مغربي، أعتقد أنني مختلف عن المغاربة.. لذلك أنا منفي هنا.
هل ستصدقني؟..
حتى إن لم تكن لها أية مشاعر نحوي، بعد أن قام حزب الشعب السويسري بنشر رسومه الكاريكاتورية التي تصور كل الأجانب كوحوش ونعاج سوداء، لا أعتقدها سوف تصدقني.
لا، اليوم أنا سويسري، لا أنظر لأحد مهما كلف الثمن. أنا سويسري...
أقول العبارة عشرات المرات...
تذكرتُ يوم كنت بالمغرب أدرس بدار القرآن، تذكرت الأوامر الإلزامية التي كانت تجبر كل واحد من الطلبة على غض البصر وعدم النظر إلى عورات النساء المتبرجات، تذكرت كيف كانت ستصدمني يومها سيارة بينما كنت بحماس لا أنظر إلى ما يوجد أمامي وأنا أعبر الطريق، كان الواقف على الجانب الآخر من الرصيف شخصًا ما، كل ما استطعت إدراكه حينها، أنها امرأة بلا حجاب، لم يدم نظري لها إلا ثوانٍ قليلة، لم أستطع تمييز سنها؛ لون ملابسها، أو حتى ما إن كانت جميلة أو يمكنها أن تثير شهوتي... الشهوة، لا أعتقد أنني أعرف هذه الكلمة بشكل جيد. المرأة، الحجاب، الحرام... لقد دفنونا في تلك الصحراء المليئة بالبؤس والقحط والمفاهيم البالية.


