كتاب " وللحج مقاصد لو نجتهد لتلبيتها " ، تأليف محمد عدنان سالم ، والذي صدر عن دار الف
أنت هنا
قراءة كتاب وللحج مقاصد لو نجتهد لتلبيتها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحج ذروة اختبارات الإيمان
وأول ما تبادر لذهني من الأجوبة: إنه فريضة تعبدنا الله تعالى بها، ليبلوَ صدق إيماننا به، المتمثلِ في طاعتنا له، وإذعاننا لأمره، مهما كلفنا هذا الإذعان من مشقة قد تثقل على بعض النفوس... والنفوس عموماً جبلت على إيثار الراحة، والتردد في قبول التكاليف، ما لم يدفعها لقبولها دافع قوي يستمد قوته من إيمانها وقناعتها الذاتية، وهذا الإيمان يتفاوت زيادة ونقصاً، وقوة وضعفاً،وصدقاً ونفاقاً، بتفاوت الأفراد وأحوالهم ودوافعهم، حتى إن المؤمن نفسه ليعلو إيمانه حيناً ويهبط حيناً، وتعتريه آفات الرياء والنفاق أحياناً، مما حفز بعض المؤمنين إلى أن يدعو إخوانه للتعاون على رفع مستوى إيمانهم "هيا بنا نؤمن ساعة".
وأن ينبه الله تعالى المؤمنين إلى تعهد إيمانهم بالرعاية المستمرة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء: 4/136] ، وأن يحلل الرسول هذه الظاهرة تحليلاً نفسياً عميقاً بقوله: «إن لكل عمل شِرّة(1) ، ولكل شِرّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلَح» [رواه ابن حبان عن ابن عمر] .
ومن عظيم فضل الله تعالى على الناس؛ استيعابُه لهم جميعاً؛ فكلهم عياله، وإدراجُ المؤمنين على اختلاف طبقاتهم في عداد أصفيائه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } [فاطر: 35/32] ، فلم يكتف سبحانه باصطفاء السابقين بالخيرات، بل ضم إليهم المقتصدين بالعبادات، وحتى المقصرين ظالمي أنفسهم بارتكاب المعاصي طمعاً بعفوه ومغفرته، جعلهم من هؤلاء المصطفيْن من عباده.
وفي هذا الاختبار الإيماني الهادف إلى تحديد مستوى إيمانهم {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: 67/2] تدرَّج بهم في التكاليف ومشقاتها على النفوس: بدءاً من مخالفة المألوف من التعبد لغير الله بالنطق بالشهادتين، والالتزام بالصلاة كتاباً موقوتاً خمس مرات في اليوم، ثم الامتناع عن الطعام نهاراً شهراً في العام، والخروج عن بعض المال، مرة كل عام، وهما الشهوتان العزيزتان على الإنسان {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } [العاديات: 100/8] ، ثم يأتي الحج مرة في العمر، ليجمع كل هذه المشقات جميعاً: خروج على المألوف وإخلاص للمعبود، وصبر على الجوع والعطش، وبذل للمال، وترك للأوطان والأولاد.. ليكون أعلى الامتحانات، وليس آخرها، فلا يزال المؤمن في اختبار حتى يلاقي وجه ربه، يبتهل إليه على الدوام سائلاً إياه المنّ عليه بحسن الختام.