كتاب " وللحج مقاصد لو نجتهد لتلبيتها " ، تأليف محمد عدنان سالم ، والذي صدر عن دار الف
أنت هنا
قراءة كتاب وللحج مقاصد لو نجتهد لتلبيتها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحج؛ من البعد الفردي إلى البعد الجماعي
فلنفترض أن خطاب التكليف بالحج {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 22/27] موجه للفرد والجماعة معاً،إذ الجماعة لا تتحقق إلا بانضمام الأفراد بعضهم إلى بعض، وتقاطرهم من كل فج عميق لشهود الموعد المحدد لهم في الزمان والمكان، فما المنافع التي يجنيها الحاج فرداً، والحجاج جماعةً ومؤتمراً، والأمة الإسلامية الموفِدة لهم راعية لمؤتمرهم، والإنسانية من ورائهم باحثة لديهم عن سبل خلاصها وسعادتها، وطرق سموها وارتقائها؟!
وربما يروق للبعض أن يرى - عن سوء نية - في إخراج الحج من دائرة الفرد إلى دائرة الجماعة تجنياً وتزيداً وتحميلاً للنصوص أكثر مما تحتمل.. فما الحج في نظره غير طقوس دينية يؤديها على نحو جماعي أفراد اعتنقوا الإسلام ديناً، طلباً لنجاتهم الشخصية في الآخرة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 80/34-37] .
وربما يروق للبعض أن يرى - عن حسن نية - في الخروج بالحج عن دائرته الفردية، إفراغاً لهذا النسك العظيم من هدفه التعبدي الخالص، فإنما هو عبادة فرضها الله تعالى على كل مسلم مستطيع، تسمو بها نفسه وتزكو روحه من خلال تأملاته الذاتية، وإخلاصه العبادة لخالقه وتفرغه له متخلياً عن جميع الشواغل من أهل ومال وولد ومعاملات وعلاقات دنيوية.
وليس يعنينا لحن القول من سيء النية بشيء، فالكل يعلم أن الإسلام ليس كالبوذية أو الكونفوشيوسية أو الهندوكية، وأنه لم يفرض على المسلم طقوساً مفرغة من معانيها، ولم يستهدف مجرد تعذيب النفس، إنما استهدف تهذيبها وترويضها لكي تخرج عن أنانيتها، وتندمجَ في الجماعة، تحسُّ بأحاسيسها،وتألم لآلامها،وتعملُ لرفعتها وعزتها، فلن يكتمل إيمان المسلم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وحتى يكون لأخيه كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وتنتفي صفة الإيمان عن المسلم الذي لا يأمن جاره بوائقه، والذي يكذب ويشهد الزور، ومن مشى في حاجة أخيه كان الله في حاجته، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره.
إنما الذي يعنينا المسلم - حسن النية - الذي يخاف على عبادته أن تحبط إن هو خرج بها عن دائرته الشخصية الذاتية، فلهذا المسلم المتبتل المتجه بوجهه إلى الله، المخلص عبادته لله أقول: لا تبتئس يا أخي!!
فهل أنت، حين تعتزم أداء فريضة الحج، إلا وريقة من وردة مترامية الأطراف ترنو إلى المركز تحنو عليه لترتشف من رحيقه ما تعود به إلى مواطنها حين تعود فتنتشر وتنتثر؟!