أنت هنا

قراءة كتاب موت سريري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
موت سريري

موت سريري

كتاب " موت سريري " ، تأليف وائل رداد ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

1

تدحرجت كرة قدم متسخة بالطين الجاف وعلامات الأصابع العارية بين الأقدام الحافية العنيفة، صغار يمارسون اللعبة كأنهم في حرب، يتشاجرون بأكثر مما يتسلون، ويحاولون تحطيم سيقان بعضهم البعض بهجمات رعناء هدفها الأذية البحتة..

في ذلك الحي الفقير القذر، حيث يجلس الشبان بجذوع عارية طلبا لبعض النسائم الباردة التي لا تجيء ذات ظهر قائظ، وتبرك النسوة الدميمات كالنوق لغسل الخضار تمهيدا لبيعها، مراقبات أنجالهن بعيون غير مهتمة، وألسنة لا تكاد تتوقف عن الثرثرة القاذفة، والرجال بادوا الشراسة والخطورة وهم يتبادلون الأحاديث وتدخين اللفائف يدوية الصنع، ولربما تلمح مسنا عركته الأيام يضطجع على قارعة الطريق متضمخا بالعرق والذباب مجتمع عليه، فلا يكاد يطرف له رمش..

بدا حي أشباح لا أثر للحياة في حياته، فقط ممارسات رتيبة كئيبة، الشتائم الداعرة ترتفع فتستقبلها آذان النسوة بضجر غير مبال، والعفاريت الصغيرة تتشاجر بشراسة تعجب الشيطان، يتقاذفون فيما بينهم فلا يسلم عرض قط..

تمر فتاة لعوب مرتدية تنورة قصيرة ومطوحة بساقين ملويتين بمهارة، فيتصايح الشبان بجموح مطالبين المليحة الجريئة بمزيد من الجرأة، يطاردونها بنظرات نارية وأفواههم إما مفغورة أو ناطقة بالعبارات القذرة، فلا تظهر المليحة اشمئزازا إلا لركض الجرذان قرب كعبيها، وقد تتوقف لترد لهم بعضا مما قذفوها به، فتبصق صوب هذا وتشتم أم ذاك، ثم تلصق بالجميع تهمة "أبناء الحرام" قبل أن تغيب..

تحدث ثورة مفاجئة بين صفائح القمامة الصدئة.. إذ وثب قط قذر أعور بغتة بغية اصطياد جرذ يقتات به، قبل أن يهرع بعيدا في الركن بعدما ظفر بغنيمته المتقاطرة قذارة..

الرائحة كريهة، لا تحتمل، كأنها رائحة الغائط في قماط طفل، والجميع غير آبه للروائح، للشتائم، للمشاجرات، كأنه جحيم نتن على الأرض، بقعة لا تصدق وجودها ما لم ترها، والمحزن أنك تراها.. كذا فكر (شاهر) متأملا "ديستوبيا" التي ولجها بقدميه.. بدا أنيقا مقارنة مع الأسمال التي يتلفعون بها، ارتدى بدلة رمادية غامقة مبخرة وقميصا سماويا، بصره محجوب بنظارة سوداء رمق عبرها الحياة الوحشية مهموما، ربما كانت فكرة سيئة، قدومه إلى هذا المكان؟ بم كان يفكر بحق الجحيم؟ المكان عبارة عن وكر، جحر ثعابين وليس مسكنا لبني آدم..

اشرأبت الأعناق صوبه، الجميع توقف عما يقوم به، كأن الزمن ذاته توقف في الحي القذر، حتى حركة الجرذان في المكبات ركدت، الأنظار مثبتة عليه، تتابعه بشغف وكراهية وتحفز..

الصغار توقفوا عن المشاجرة وهتك الأعراض بالألسن، الكرة تتدحرج ببطء حتى استقرت بين قدمي الغريب.. تأملها ساكنا قبل مد أنامله والتقاطها.. ببطء رفعها حتى واجهت بصره، كما لو كان يتأمل كرة كريستالية ذات أنوار خلابة..

التقط الشبان طرف الخيط، رحبوا بالمواجهة، أخرجوا السلاح الأبيض واقتربوا بحماسة لا تخلو من حذر، بدوا كنمور باحثة عن فرائس، ففتح أنامله ليسقط الكرة..

تدحرجت جانبا، فتابعتها أبصارهم كأنها رسالة ما، عادوا لمراقبته، كان صامتا كصنم، يتابعهم ببصره كما يتابعونه، كانت معركة تحديق بالأبصار..

- "ماذا تريد؟"

أخيرا كسر أحدهم حاجز الصمت، حتى أن بعضهم تنهد بارتياح، كان الصمت مطبقا وغريبا في حضرة ذلك الغريب، وتحمس أكثر الصبية فتعالت الصيحات المتحمسة:

- "اخلعوا عنه ثيابه!"

- "افتحوا بطنه!"

- "اخرسوا يا خنازير!!"

انخرس الصبية كالدمى التي فرغت من بطارياتها، في حين رجع الاهتمام المتربص كله صوب الغريب الصامت، هل ينطق؟ متى ينطق؟ لماذا لا ينطق؟ أهو أصم؟ أم أخرس؟ أهو مجنون كي يظهر بقدميه في حي كهذا الحي بهندامه المرتب ذاك؟

- "أبحث عمن يدعى (ضيوي)!"

بدت جملة عادية خرجت من فم طبيعي، لكن بدا لوقعها على نفوسهم أثر الصاعقة، وأدركوا -على نحو ما- أن الغريب الآن بات ممنوعا من اللمس حتى ينظر كبيرهم في أمره..

- "هلم.."

الصفحات