كتاب " موت سريري " ، تأليف وائل رداد ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب موت سريري
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ساروا وسار يتبعهم دون أن يحيد بصر أحدهم عن الدرب المقصود، زقاق ضيق عبروه، مياه المجاري الطافحة في كل شبر وركن، والناموس متجمع فوق البرك المائلة للخضرة المتعفنة، تقاطرت مياه الثياب المغسولة والمنشورة على الشرف فوقهم كالأمطار، الرطوبة تزداد خنقا كلما ضاق الممر، رأى (شاهر) في آخره بابا شبه موارب، وقبل أن يبلغوه توقف الفتى الذي يقودهم قائلا للجميع:
- انتظر..
قصد بها الزائر طبعا دون أن ينظر له، وغاب بالداخل مدة قصيرة تاركا الشاب بين أعوانه يلوكونه بأنظار حادة تنبش عن سر زيارته لمقر قيادتهم، لكنه وقف غير آبه لشيء، لا يتحرك به سوى صوت أنفاسه المنتظمة..
- "ادخل.."
انبثق الصوت من العتمة المبهمة، فجاوز (شاهر) الجميع ليلج بخطى رتيبة وجرأة غير معقولة، لم يزر مكانا كهذا في حياته من قبل، لكنه مستعد الآن لما هو أكثر..
لم يتبين سوى ظهر الفتى المتحرك بسبب العتمة الدامسة والنظارة على عينيه، لكنه لم يخلعها، تبع الفتى فحسب إلى غرفة تشع بضوء أحمر خانق.. وبالداخل تمدد رجل في أواخر الستينات ذا حواجب كثة على أريكة خشبية مرتديا جلابية نوم مقلمة، وقد وضع قدما فوق الأريكة وأراح الأخرى على البلاط حيث جلست غانية غير محتشمة تجهز له "النارجيلة"..
تصاعد البخور من مبخرة عثمانية متدلية من السقف، على الجدران فراء ثعالب وبضع قطع أثرية متدلية معلقة، غدارات وسيوف من عهد إسلامي مندثر..
الجدار وراء الرجل حمل لوحة ذات إطار مزخرف دُونت عليها آيات سورة الصمد، فكر (شاهر) بالتناقض هنيهة دون إظهار ذلك في تعابير وجهه المستكينة..
- "دعونا.."
خرج الكل إلا الغانية المشغولة بالتعميرة، وبنظرات ناعسة ولهجة ملول غمغم الرجل دون أن يرفع وجهه لتأمل ضيفه حتى:
- نعم؟
- (R.D.6)..
- آه!
قالها بفهم، باستهزاء.. كما لو كان المطلب شريحة قمر صناعي متطور من ميكانيكي سيارات نصاب، ماذا تصنع تحفة مثل (R.D.6) في هذا الجحر القذر؟
أخيرا اعتدل (ضيوي) في جلسته، لا ذوق ولا احترام.. لقد ولج الوكر بقدميه وعليه التحمل..
تجاهل (شاهر) رغبة القتل المعتمرة في نفسه، وبتؤدة غمغم:
- أريده ولو نبشت الأرض بحثا عنه..
فتبسم الرجل واضعا قدمه المشققة في حجر الغانية قائلا لها بازدراء:
- دلكي..
نفذت بانصياع تام، ونظر الرجل حوله باحثا عن رفقة غير موجودة قائلا بسخرية:
- تائه يا أولاد الحلال!
- أين أجده؟
- ارجع يا بني فالعمر..
وإذ بشاهر ينقض عليه ليطبق على حنجرته بأصابع كالكلابات! فأطلقت الغانية شهقة، وقبيل إطلاقها صيحة باغتها (شاهر) بتحديق زجر لا يمزح، فانكتمت..
اختنق الرجل، سال زبده حتى بلغ القبضة التي لا تمزح، واستمع إلى لهجة تهديد لا يبدو صاحبها غاضبا إلى ذلك الحد!
- "لا تمثل دور الريِّس علي! أنا لا أمتثل لبصقة، وأنت مجرد بصقة.. هل ينصت عاقل لبصقة؟"


