أنت هنا

قراءة كتاب باردة كأنثى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
باردة كأنثى

باردة كأنثى

كتاب " باردة كأنثى " ، تأليف إسماعيل يبرير ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقد

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 3

ليس بالسّفح سوى وجهينا كأنّهما تمثالان من فضّة، ليس بالأفق سوانا نتوحّد كأننا كوكب مهزوم، والحياة تتراجع أمام صراخ دواخلنا المؤذن بالنهاية التي تخالف التقاليد، لا قبلة ولا عناق ولا دمع يصدَّر بعضا من انسحاقنا، نهاية بلا ملح.

اسمها مدى وامتداد، اسمها كشف وسرٌّ في آن، إسمها أوسع من الأحرف وأقدر من نطقي لهذا لا أذكر اسمها الآن، هل نسيته فعلا أم أنّ وجوده المكثّف والمقتدر غمّ الذّاكرة فلم يعد بالوسع نطقه، أتذكّر الحروف جميعها، أستظهرها كما فعلت في الكُتّاب صغيرا "اللّيف لاشان عليه، والباء نقطه من تحت..."، أشكّلها أيضا "أَ نصب، بَ نصب…"[2]، يكفي أن آخذ بعض الأبجدية لأعثر على ذلك الاسم السّاحر الذي شرّدني ووطّنني كما أراد.

بدا "روشيه الموت" مكانا مناسبا لهكذا مواقف، أجلس أعلى الصّخرة مطلع القرن الواحد والعشرين، خراب القرن الماضي وغرينيكا التي داخلي ووجهانا الكسيران كلّ ذلك يتناغم مع هذا الفضاء، كأني أنجحُ وأنا شيخُ أهمِّ فصول الفشل على الاطلاق، أنجحُ من حيث لا أدري في رسم "بورتريه" لقرن النهايات والبدايات الأهمّ في تاريخ البشرية الأسود كالثور الصّيفي الجاثم على سماء هذا اليوم من أواخر "ماي"، بدا لي قرنا شرّيرا، هرما بينما كان هديره الموج الملتطم بالصّخور يعلو ويعلو، وتأخذ خيبتي كلّ منحى... تأخذ مكانة فتكبر وتتسع أكثر وأصغر... ها أنذا أتلاشى.

اعتدت زيارة المكان. كما اعتاد يحي زيارة صخور عين الناقة، هنا تتعرّى أفكاري وهنا أعترف بخطاياي المرّة تلو الأخرى وأعرف قبل أن أستلم صكّ الغفران أني مكرّر كلّ الخطايا، وهنا أشرب وحيدا على مذهب جدّي المخلوع، كان بوسعي أن أحقّق تفوقا وجوديا كالذي حقّقه جدّي مومن عندما تحدّى الجميع وحافظ على أناقته ووجاهته رغم أنه كان سكيرا ولا يحاور أحدا كما يفعل مع قنيناته الحميمة العديدة، لكنني أكتفي ببعض من طريقته، يحي لم يكن يشرب إلا الماء رغم أنه مدخّن شره، هنا أكتب مذكّراتي التي أطعمها للبحر آخر كلّ شهر، أتباكي بشدّة كلّما شعرت بحاجة إلى ذلك، أتمرّن على النّحيب والعويل وأحاول إغراء الدّموع وأخطب في البحر كلّما استعصيتِ عليَّ؛ وأشعر أني طارق بن زياد أو ربّما الأمير عبد القادر أو نابليون ولعلّي الظّاهر بيبرس أو أيّ كان من الذين خطبوا في جيوشهم، ألا يشبه صوت البحر وكثافته أضخم الجيوش وأنا من على صخرة الموت قائدا وفاتحا عظيما يشرف على الانتصار والشّهادة والخلود، هكذا أصبح للبحر كلّ أسراري ولم تكوني أنت حبيبتي تعرفين عن تاريخي وبطولتي قليلا ولا كثيرا، لكنني أحضرتك مرّة هنا وأعجبك زهو عناصر البحر بـي واحتفاء المكان بخطاي، كنتِ تشدّين على خاصرتي وتتمسّحين بـي كقطة مهذبة ومتمدّنة، وحدّثتكِ عن غيابك كيف لا يصدُّ عنفه إلاّ ولاء هذا المكان لي أو ولائي له!

هذا هو المقام الذي يلتهم أيام الخواء عندما تتأخّرين أو تنشغلين، مقام لا يشبه صخور عين الناقة، هناك اجتمع الناس أمام العاشقين الخجولين طلبا للخصوبة، هنا يهوي الناس، يأتون للشّرب، لممارسة الجنس أو للانتحار، لا أدري ما الذي جعلك تتصاعدين، هذا المساء مقداركِ زاد عن كلّّ حدّ وإسمك يكبر دون جسمه، ينأى عن الأبجدية.

أنتِ تتكثفين... والبحر يمنحك شرعية أكبر، هو يعرف اسمك وجسدك وأنا لا أمسك الآن إلا ببعض روحك.

أرجعُ المرآة إلى حقيبتي؛ عادةٌ تعلّمتها بالمستشفى، كنتُ لا أعرف أحدا وكثيرا ما رحت أفسّر لوجهي حكاياه وكثيرا ما رأيته يتجمّع ليصغي إليها مشدوها ثمّ يتشظّى ويتفكّك مجدّدا.

عرفتها في القرن الماضي. لابد وأنّها كانت ستصحّح بغنجها الذي يتناسل معي "عرفتني والقرن العشرون يحتضر عندما كان يأفل كنت أشرق أنا زمنا واعدا"، وكنت أنا جريحا، غريبا، صغيرا ووحيدا في هذه المدينة وهنا يجب أن تقول: "وأتيتك أنقذتكَ، كنتُ مفتاح المدينة ووثاق استمراركَ حيّا وحقيقيا"، لقد كنتُ كاذبا أمثّل قبلها دوري، أما هي فكانت دائما صادقة، اعترفتُ لها لاحقا بأسرار يلفظها الصّخر ولم يضق صدرها بشيء منها! أشتاق الى صدركِ. الآن خلفتني لا أعرف أمِن قسوةٍ حفظت السرّ أم...؟

السّاعة السّابعة مساء.

بالكاد أعرف المخرج من هنا، ولولا الغيوم الأوروبية والأمريكية لكنا نعرف مخرجا، ألا يتسبّب الأوربيون والأمريكيون بدرجة أقلّ من باقي البشر في ألمنا؟ ألا يغيرون المناخ ويعدّلون من تفاصيل الحياة ويبذّرون الطّاقة بينما تخور قوانا؟ هي كانت لتقول لي: "لديك عقدة المستهدَف" وكنتُ أقولُ لها: "لديكِ عقدة هوية". الصّخور تشجّ رجلي اليمنى لأني أبادر بها، كلّما دمَتْ سال ماضيَّ. كانت جميلة، ممتلئة ومثيرة، ولكنها مسلوبة بصوت الحداثة القادم دون إذن، أمّا أنا فجلفٌ أقرب إلى الكلاسيكية والرّتابة، مأخوذة بحالات لا تنسجمُ مع تقاطيع يومياتها، تحبّ الألبسة المكشوفة عارية الصّدر والكتفين وتلتزم بألبسة كلاسيكية تسترها، تعشق الألوان وترتدي الأسود أو الرّمادي، طالما حيّتني بالفرنسية التي تصبح على شفتيها نشيدا عربيا خالصا، وكثيرا ما تقرأ وتهتمُّ بالغرب. أصِلُ الطّريقَ أتسمّر على قارعتها وأتصوّرني كفتيات الشّارع اللائي يسعين إلى الزّبون علنا، هذه تقنية تسويق لا ضير فيها طالما يظلّ للعهر تعريف واحد، لقد دميت هناك على "صخرة الموت" والصّخور الجارة كأنّي لم أعد عذراء...! ما زلتُ منشغلا بالعاهرة التي كنتُ عندما توقّف أحدهم فانتابني وجلٌ.

- هابط لدزاير

- إيه... هابط هابط ياسر[3]

- أطلع يا خو

الصفحات