كتاب " باردة كأنثى " ، تأليف إسماعيل يبرير ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقد
أنت هنا
قراءة كتاب باردة كأنثى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
-1-
لست أدري لماذا؟
طالما تصوّرتُ أنّ الموت يترصّدُ الوحيدين، فكلّما كنت وحدي حدّق بـي، لأجل هذا تجنّبتُ طوال طفولتي البقاء وحيدا ليس رغبةً في الآخرين ورفقتهم، اطلاقا فأنا لم أعثر على أنس في أحد، لا أحد على الاطلاق.
خُيّل لي أنّ الموت سيتردّد ويؤجّلني إذا صادف أن كنت مع شخص ما، أيّ شخص. بدأ هذا الشعور يضعف تدريجيا عندما رأيت كيف يموت الناس جماعات وفرادى ولا يبالي الموت بالرّفقة ولا الخلوة. رغم أن سلطان الموت امتدّ من حولي لكنني كنت ممتنا، على الأقل منعني ذلك من مواصلة الفردانية التي سأنـزعُ إليها لولاه. كأنّ العبث الذي داخلي يرفع شعار "فليعش الموت؟!...".
أعلى قمّة الوجع أطلُّ على بقاياي، من هذه الشّرفة الطّبيعية ألتقط صورة بانورامية لرحلتي محدودة الادهاش، صورة لا تكاد تتشكّل حتى تتجزّأ وتتلاشى. للرّوح زفرة لكنّها ليست نهاية ترتجى أو تحتمل، أراني على لعنة المرآة أم أراها؟ كنت أتساءل في جنون وربّما في حكمة من الألم الذي استبدّ بـي، أوجْهُها الذي يتكسّرُ على صفحة الماء كلّما تدحرجتْ موجةٌ نحو الصّخرة أم وجهي؟ أكان مزيجا لوجهين...؟
البرْدُ لغة أثيرة، ممكنة. المساءُ يُشيعُ رائحة خيبتنا مثل جارة لا تؤتمن، كأنّنا خارج الزّمن أو رديفين له، أتساءل عن شكل العالم بعدنا؛ وقد ظننتنا دائما عاشقين أبديين ملتصقين كـ"العاشقين الخجولين"؟ تلك اللّوحة التي نُقشت على صخرات "عين الناقة" المنطقة الأثرية جنوب مدينة الجلفة، لم تكن واضحة، تشبه نـزق يحي وغرابته السريّين القابعين في ركن ما في مجاهيله، ملامحُها بالكاد تظهر ولكنها تفي برسالة الحبّ والخجل، منذ آلاف السّنين يهمّ بها وتهمّ به دون أن يفعلا شيئا. أخذني يحي لرؤية ذلك المعلم دون أن يبالي ممّا أعانيه ألما على حديد دراجته، كلّما تقدّم بسعادة نحو صخوره تضاعف ألمي وأنا أهتزّ وأكتمُ ألمي، يومها كان الكثيرون يتبرّكون باللّوحة، اعتقدوا أنّها رمز للخصوبة. اللائي جئن إليها أردن الولد، ألهذا الحدّ يرمز الحبّ إلى الولد؟ ألهذا الحدّ تتحوّل خصوبة العشق من نظرات نديّة إلى رغبة في التعدّد؟ يحي إعتاد أن يزور مكانه ولكنه سيوقف تلك العادة عندما انهمك في عالم النباتات والأشجار، لعلّه وجد لغته في جذور وأغصان السّهوب.
داخلي ما يشبه الصّخب والعنف الذين قرأتهما بلوحة "غرينيكا"[1] لبيكاسو، هل يتذكّر أحدٌ الخراب الذي حلّ بغرينيكا ذات ماي من سنة 1937؟، لم أكن لأعرف عن غرينيكا وعن بيكاسو لولا الحبيب أستاذ التربية الفنية الذي تابع عمله لأقلّ من شهرين بالمؤسسة التي كنت أدرس بها، كان غريبا عن الجميع، اعتبروه معقدا ومريضا بينما أحبه التلاميذ كثيرا وتعلّقوا به، كنّا ندرس الرّسم ساعة واحدة في الأسبوع، وتتحالف باقي السّاعات مع الرّمادي، أحضروا بعدها أستاذا جديدا لمادة التربية الفنية أفرط في مراقبة أدواتنا وأظافرنا وهيئتنا إلى أن انتهت السّنة الدّراسية دون أن نعرف لماذا غادر الحبيب؟
داخلي "غرينيكا" كبيرة جدّا وأتساءل أيضا هل ينبغي أن تمطر وأنا ألمحُ الغيوم تزحف في حياء نحو هذه الصّخرة؟ وماذا عن الأطفال هل يضحكون؟ هل بقي أحدٌ يمرح بعد إذ انفصلنا أنا وهي؟
أجتهد في تحديد موقف من مدارها، أهي عالم مواز أم أنا بعضها؟ هل كانت حقيقة أم حلما وهوسا واصلت ادمانه؟
اسمي لا يعني لي أكثر من أحرف مصطفّة
ألف،
دال،
راء،
ياء،
وسين تُوقف نطقهُ بحدّة
أيّ الوجهين أرى..؟!