كتاب " باردة كأنثى " ، تأليف إسماعيل يبرير ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقد
أنت هنا
قراءة كتاب باردة كأنثى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في الخامسة عشر كنت أبحث عن تفسير لما يجري في مدينتي وأتساءل من هو الرّئيس الموعود ولكنهم قتلوه عندما بدأتُ أتردّد على المسجد "شرّ ميتة" هكذا علّق سالم حشاوش صاحب اللّحية الحمراء الذي أصبح أبا الحسن، قال أيضا أنّ نصر الله قادم وهو يربت على كتفيّ "بأمثالك أيّها الجندي"، خاطبني أنا بالجنديّ دون شباب الحيّ الذين يرون فيه أعلم من في المدينة رغم أنه لم يصل إلى الثانوي، طرد باكرا من المدرسة وعاش أغلب طفولته في السّوق المغطاة وسط المدينة، لقد رأيته غير مرّة في التلفزيون وربّما لم أره إطلاقا وتخيّلته، داخلي نشوة ما... عظمة ما، أكاد أشعر أنّني بطلٌ موعود، ولكنني أريد أن أبكي، صوتٌ ما كان يحدّثني عن حداثة سنّي وعن دليلة التي تدرس معي في الاكمالية إذ كيف لجنديّ أن يجلس للّهو مع فتاته، لم يكن الأمر بالضّرر الذي تصوّرته، لقد هيّأني الجوّ العام في تلك الاكمالية التي تقترب من ثكنة لنسيان دليلة بالسّرعة ذاتها التي تعلّقت بها، ثم إنّها بدت إمرأة في أقلّ من ستة أشهر، خشيت من صدرها الذي نما أكبر من يديَّ، رغم أنَّها تصغرني بأكثر من سنتين، وكنت مبدعا في البقية فرُحتُ أكذب وأكلّم الآخرين عن الجهاد ووجوبه، عن الطّاغوت الذي لم أعرفه، عن الإخوة الذين استشهدوا وعن كراماتهم، كيف يلقون حفنة تراب على دبابة فتذوب، وكلّما جلست إلى عجوز أبكيتها إذ أحدّثها عن الأمر الجلل الذي نحن بصدده وعن الرّسول وصحابته وكيف لم يبدّلوا تبديلا، وكثيرا ماكنت أصوغ الأحاديث كاذبةً لقضاء مأرب أو لمنع ما أرفض، لم أختم القرآن وأفلت مني ما حفظت وجادلت شيخ الكتاب "سي مبروك" وسببته أمام زملائي السّابقين، كان بالنسبة لي ساكتا عن الحقّ مهادنا للطاغوت، أصعب ما في الموقف كان جارنا الشّرطي، لم أكن لأغلبه كان جامعيا عارفا بالدّين والسّياسة ما لا أفهم، قال لي أبو الحسن "إنّه مدرّب على هذا، الدّولة درّبتهم لكن نهايته..." لا أذكر إن قال قريبة أو على يدي.
نجحتُ في المرور إلى الثانوية، كان توجّهي علميا إذ كنت أحلم بتخرّجي مهندسا أسوة بوالدي، لكنّ أبا الحسن رأى أن أدرس العلوم الشّرعية، غيّر توجّهي وأخبرني لاحقا أنّي سأدرس في الثانوية البعيدة جنوب المدينة، وكان لأبـي الحسن ما أراد، إلتحقت بالثانوية التي تتشابه في مظاهرها مع مدرستي السابقة، لا أحد يفكّر في التّحدّث إلى زميلته ولا أحد يتصابى أو يلهو. كبارٌ حدَّ الشّيخوخة ولكن بلا حكمة، فجأة لم أعد أريد شيئا سوى الظّفر بفتاة أعجبتني وانتهى الأمر الجلل بالنسبة لي، ولم أعد أتردّد على المسجد، الحقيقة أنني تركت الصّلاة وتدبّرت أشرطة أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم وانقلبت على برباروس[7].
كان بوسع أبـي الحسن أن يكون انسانا مميزا، رغم أنه يكذب ويتوهم أحيانا؛ إلا أن بقايا الطّيبة عالقة بابتسامته حتّى وإن حاول تغييبها، والده "محّاد القهواجي" هو عقدته، فقد وصل صيته إلى كلّ أهل المدينة، كان عاملا في مقهى جدّي وقد برع في تحضير الفرارة والشّعرة[8] والشّاي وغيرها من المشروبات التي يقدّمها مقهى جدّي المندثر، لم يختر أبو الحسن هذا الاسم ولكنّه كنيته بعد الهدي، أمّا سكان الحيّ فظلّوا إلى وقت قريب ينادونه "حشاوش" وإذا أرادوا الايضاح أضافوا "وليد القهواجي"، تأخّرت في معرفة إسمه الحقيقي سالم، وبدا لي أفضل من اسميه الآخرين، ولكنها رحلة أسطورية من لقب جارح إلى إسم فاتح، ورغم أني أعرف سبب التّسمية الأولى كون الرّجل عمل في السّوق المغطاة صغيرا كبائع للحشاوش[9]، إلا أني لا أعلم إن كان لديه ابن في مكان ما إسمه الحسن.
"لاتسألوني ما اسمه حبيبـي" هكذا كانت تصدحُ فيروز بغرفتي، لكنّ أبا الحسن سألني ذات مساء عندما زارني على غير العادة ببيتنا، لم يكن أبـي يستصيغ هؤلاء الملتحين لكنه أستقبله كعادته مبتسما، خرجت معه، ذهبنا إلى المسجد، صلّينا المغرب وخرجنا إذ لم يكن يُسمح لأحد البقاء بعد الصّلاة سوى القيّم الأعور المنبوذ من "الخوانجية"[10]، خارجا كلّمني عن تردّي أوضاعي كأنّي الجزائر، وعن تراجع إيماني وعقيدتي كأنّه الله، ولم يخفني سرّا بأنه يعلم بأمر الفتاة التي شوهدتُ غير مرّة معها، ثمّ صال وجال وخطب فيَّ حول الخلق الشّرعي وعمّا ينتظره منّي الاخوة المجاهدون وطلاّب العلم الشّرعي، أردت أن أصرخ بوجهه فلتذهبوا جميعا إلى السّعير أنا أريد "ورده" لا أكثر ولا أقل.
"هل تحبّ هذه الفتاة؟"
سألني الثعلب بلطف العارف بالحبّ، لم آمنه فصمتُّ
- أسألك إن كنت تحبها إدريس؟
- أستغفر الله
أجبته ثعلبا
"إذا أردت أكلّم والدك فنخطبها لك"
لتوّي أتخطّى السّابعة عشر لابدّ وأنّ أبا الحسن مريض، مريض جدّا، يزوّج نفسه أولا وهو في الثلاثين، قاطع شرودي:
- فكّر جيّدا والأخوة مستعدون لمساعدتك
- لن أفكّر في شيء لا أرغب في الزّواج وشكرا للاخوة