كتاب " الأزمة المالية العالمية " ، تأليف د. محمد عبد الشفيع عيسى ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع.
أنت هنا
قراءة كتاب الأزمة المالية العالمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الأزمة المالية العالمية
وإلى جانب دور الحكومات ومصارفها المركزية، هناك المسعى المشترك للمنظومة المصرفية للدول الصناعية، حيث قامت عشر مصارف كبرى، من أصل أمريكي وأوربي، بتأسيس صندوق لمواجهة المخاطر بقيمة 70 مليار دولار.
وتردد أن صناديق الاستثمار السيادية في منطقة الخليج العربي، ومؤسسات مالية ومصرفية خليجية أخرى، قد تكون على استعداد لضخ ما يقارب تريليون دولار (تبدأ بنحو 200 مليار دولار في الفترة الأولى) لشراء أصول مخاطر القروض العقارية الأمريكية، وخاصة لكل من فاني ماي، وفريدي ماك، واللتين تحوزان أكثر من 5 تريليون دولار كديون عقارية، من إجمالي قيمة الرهونات العقارية الأمريكية البالغة نحو 12 تريليوناً([1]). وتجدر الإشارة، بالمناسبة أيضاً، إلى أن صناديق الاستثمار السيادية الخليجية تستحوذ على نصف موجودات الصناديق السيادية في العالم، البالغة قيمتها نحو ثلاثة تريليونات دولار، يتوقع وصولها إلى حوالي 11 تريليونا بحلول عام 2013([2]).
ولكن من أين تمول الحكومة الأمريكية تكلفة الإنقاذ الكلية.؟
كما ذكرنا للتو، فإن الصناديق الاستثمارية في الخليج خاصة من المملكة العربية السعودية والكويت وأبو ظبي، وربما في العالم كله (38 صندوقاً، منها 30 صندوقا عائدة للدول النامية ذات الموارد المالية الكبيرة) يمكن أن تسهم في العملية برمتها. ولكن هذا لا يعفي الولايات المتحدة من العبء، وسوف تقدم،، في الفترة الراهنة، ثلث قيمة الصفقة الكلية على الأقل (300 مليار تقريباً). وهذا التصرف يواجهنا بدلالة مهمة من ناحيتين: من ناحية أولى، سوف يتحمل دافعو الضرائب الأمريكيون، في التحليل النهائي، الشطر الأكبر من التكلفة الكلية (700 مليار دولار حسب بعض التقديرات الحكومية الأمريكية)،. ولما كانت الحكومة الأمريكية في ظل إدارة بوش قد صممت حزمة من السياسات الضريبية المرتكزة على زيادة حجم الاستقطاعات والخفض من المكلفات الضريبية للشرائح العليا من الدخل والثروة، فمعنى هذا أن الفئات الوسطى سيقع عليها العبء الأكبر من تكلفة الإبقاء على النظام المالي الأمريكي الراهن.
ومن ناحية أخرى، فإن الشطر المقترض بواسطة الحكومة، والممول من جانبها، سوف يكون من شأنه مفاقمة العجز في الموازنة الاتحادية وزيادة مقدار الدين العام المحلي ونسبته للناتج المحلي الإجمالي، وربما زيادة العجز في الحساب الجاري والمزيد من الضغط على الدولار.
ويبقى النظام المالي الأمريكي على حاله، من حيث الإفراط في السيولة، وتوجيهها للأغراض (غير المنتجة) في الاقتصاد الحقيقي بالمعنى العلمي، حيث تنصب على إعادة الإقراض المالي، وعلى تمويل الائتمان الاستهلاكي والعقاري والسكني، دون تحقيق (قيمة مضافة) موازية للزيادة في كميات النقود... ليس على مستوى الاقتصاد الأمريكي فقط، ولكن على المستوى العالمي كله. وتكون النتيجة هي تشجيع تكوين كتل (ديناصورية) من الأموال الهائمة التي تظل تدور حول أسواق المال في العالم، من أسهم وسندات، على مدار الساعة، تدور في شبه (حلقة مفرغة) تستثمر النقود لتحصل على المزيد من النقود. ويؤدي ذلك إلى تمويل موجات تضخمية قادمة، وتبديد موارد كان يمكن استخدامها لتوسيع الطاقات الإنتاجية في العالم واستئصال الفقر من الجذور.
ثم أن هذا كله يغذي (الميول المضاربية) على الأموال والأوراق المالية وعلى بيع وشراء الموارد الطبيعية والمواد الغذائية، في صفقات (آجلة) تنشر الذعر في أرجاء الاقتصاد العالمي بدون وجه حق، كما يحدث في حالة النفط.
فإلى أين..؟
لقد بدأت الحكومة الأمريكية اتجاها مهما، هو تفعيل تدخل الدولة في الأسواق، وسوف توجه جانباً من صفقة إنقاذ النظام المالي إلى تطوير مشروعات للبنية الأساسية، تولد فرص التشغيل وزيادة الدخول، على مستوى الاقتصاد، في مسعى لمواجهة الركود. وكانت هذه الحكومة قد قامت بشيء قريب من ذلك، أوائل عام الأزمة، حينما قامت بضخ ما يقرب من 150 مليار دولار على شكل رد نقدي لمستحقاًت ضريبية على الفئات الوسطى ودون الوسطى، لتشجيع الإنفاق، ومواجهة شبح الركود، ومواجهة مارد (التباطؤ)، انطلاقا ًمن المستهلكين.
و لكن ها هي الحكومة الأمريكية تقوم بالحد الأقصى من الجهد المنتظر منها، من خلال انتهاج سياسة، أقل ما توصف به أنها تبدو، ولو في الظاهر على الأقل، تدخلية نشطة، من النمط (الكينزي)، وحيث لا تترك تفاعلات الأسواق على عواهنها، من خلال قوى العرض والطلب، لفشلها في تحقيق التوازن الاقتصادي بصفة تلقائية، كما يقول دعاة (قوى السوق) وخاصة من أنصار (الليبرالية الجديدة).
ولكن فرض السيطرة الحكومية على مؤسستي فاني ماي وفريدي ماك، ثم مورجان ستانلي وجولدمان ساكس، لا يمكن اعتباره من قبيل التأميم، ولا يمكن اعتباره، من ثم، بمثابة مقدمات لانتهاج سياسة ذات ملامح (اشتراكية)، كما يدعي بعض المراقبين، بل ولا يمكن اعتباره بمثابة نوع من التخلي عن (قواعد اللعبة الرأسمالية).
أقصى ما يمكن قوله، إنه ضرب من التجديد في استخدام أدوات السياسة المالية والنقدية، لمواجهة مخاطر ماثلة أو متوقعة، داخل النظام الرأسمالي نفسه. ولكن لا نتوقع أن يصل الأمر، في الفترة الراهنة على الأقل، إلى ما يشبه السياسة التي انتهجها فرانكلين روزفلت لمواجهة (الكساد العالمي الكبير) في الثلاثينات من القرن المنصرم، من خلال ما سمي (السياسة الاقتصادية الجديدة) –نيو ديل- حسب نظرية كينز، بالانتقال من سياسة (الدولة الحارسة) إلى (الدولة المتدخلة).
ومن يدري.؟ فقد يفعل باراك أوباما شيئاً قريبا مما سبق أن فعله فرانكلين روزفلت..!

