كتاب " الأزمة المالية العالمية " ، تأليف د. محمد عبد الشفيع عيسى ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع.
أنت هنا
قراءة كتاب الأزمة المالية العالمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأزمة المالية العالمية
هي أزمة حقيقية إذن، وشاملة أيضاً. إنها ليست مجرد سحابة عابرة، كما أنها أقل من "فيضان مدمر". ولكن هل تطال الجميع...؟
تختلف تضاريس الأزمة بين المجموعات الدولية الاقتصادية المختلفة، وداخل الدول المنفردة ضمن كل مجموعة.. إنها أشبه بالزلزال "متوسط القوة".. ومركز الزلزال هو الاقتصاد الأمريكي بالذات، تليه دائرة الاتحاد الأوربي الذي تتميز اقتصاداته بالعلاقة التفاعلية القوية مع الاقتصاد الأمريكي، بفعل قوة التشابك بين المؤسسات الغربية "متعددة" الجنسيات، وعابرة الجنسيات بتعبير أدق، بما في ذلك المؤسسات المالية على صعيد المصارف التجارية والاستثمارية، وأسواق الأسهم والسندات والمشتقات المالية، وشركات التأمين. وتلي الاتحاد الأوربي، دائرة اليابان، حيث عانت مؤسساتها المالية والتأمينية من خسارة القيمة السوقية للأسهم في الأسواق المالية الكبرى، ولو بحكم "أثر العدوى"، ومن ثم مواجهة شبح الإفلاس. كما تتزايد معاناة الاقتصاد الياباني بفعل انخفاض الطلب الأمريكي والأوربي على الصادرات، وهي المحور المحرك لعجلات الاقتصاد الياباني.
أما الدول النامية فيتفاوت الأثر فيما بينها، تبعا لدرجة انفتاح الاقتصاد على الخارج، تجارياً (تصديراً واستيراداً) ومالياً (بالاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، والقروض التجارية والميسرة)، وتبعا لدرجة "تحرير" المعاملات المالية (دخول وخروج رأس المال) خاصة في البورصات وأسواق المال، والمدى الذي تصل إليه الرقابة وفرض الضوابط، فيما يتعلق بالدخول والخروج، بما في ذلك مثلاً: التعامل على المشتقات المالية في أسواق المال الخارجية وإصدارات الأوراق المالية والسندات بالعملة المحلية والأجنبية و(شهادات الإيداع الخاصة) على بعض الأسهم المحلية ذات التداول في أسواق المال الخارجية، ومدى تواجد البنوك الأجنبية في النظام المصرفي المحلي.
ويشار في هذا السياق إلى أن صانع السياسة المالية والنقدية في جمهورية مصر العربية مثلاً، استحدث في الأعوام الأخيرة قواعد تشريعية سمحت بمزيد من "تحرير حساب رأس المال"، بما في ذلك التعامل على المشتقات المالية في البورصات المحلية، وفتح المجال أمام مشاركة الأجانب في عمليات سوق المال وتحقيقها نسبة مرتفعة نسبياً في أسواق التداول بما يتراوح بين 6% و50% بين الفترات المختلفة،بما يفتح الباب أمام أعمال المضاربة على الأسهم، خاصة مع السماح بخروج أصل رأس المال والأرباح، بدون قيود تقريباً، مع تدبير المقابل للجنيه بالعملة الأجنبية من سوق الصرف المحلي. يضاف إلى ذلك:إصدار السندات بالدولار وبالجنيه المصري في أسواق المال الأوربية، والتداول على بعض الأسهم المحلية في أسواق أجنبية بمقتضى شهادات إيداع خاصة. كما سمح المشرّع في مصر أيضاً بالمشاركة الأجنبية في تملك مصارف مصرية عامة وخاصة، بل وإقامة فروع محلية كاملة لبنوك أجنبية. ومؤدى كل ذلك، تيسير انتقال عدوى الأسواق المصابة إلى داخل الاقتصاد وسوق المال في مصر بسهولة نسبية.
وكذا يتفاوت أثر الأزمة المالية العالمية على الدول المختلفة، تبعا لمدى توفر سياسات للتحوط المالي، وهو ما يجد له أمثلة إيجابية من دول (مجلس التعاون الخليجي) التي أمعنت في بناء الاحتياطيات بالعملات الأجنبية، وتأسيس الصناديق السيادية وصناديق "الأجيال المقبلة"، بالإضافة إلى إعداد الموازنات العامة السنوية للحكومة، كموازنات تقديرية لعامٍ مقبل، وفقا لأسعار منخفضة للنفط، وبأقل كثيراً من المستويات السائدة في الأسواق العالمية، بما يعطي مرونة أكبر لصانع الساسة المالية. وعلى الجانب الآخر (ذي الطابع السلبي) يذكر اتساع نطاق تعاملات الصناديق السيادية للدول الخليجية- خلال الأعوام الأخيرة- في أسواق المال الأجنبية، خاصة الأمريكية، بما في ذلك مشاركات في "رأس المال السهمي" Equity Capital للمؤسسات المالية، وشراء السندات الحكومية طويلة الأجل وأذون الخزانة قصيرة الأجل، وعمليات الإقراض لمؤسسات يتعامل بعضها على القروض العقارية نفسها.
وأخيراً، يتفاوت أثر الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المحلي، طبقاً لدرجة الاعتماد والتبعية الخارجية، من خلال استقبال المعونات الأجنبية، نقدية وعينية وتقنية، كما في حالة البلدان الفقيرة و(الأقل نمواً). إذ من المتوقع أن تقل انسيابات الأموال المخصصة للمعونة للبلدان المذكورة، في ظل تباطؤ، أو ركود الاقتصاد في الدول المانحة، ونقص رؤوس الأموال، وشح السيولة.