كتاب " الأزمة المالية العالمية " ، تأليف د. محمد عبد الشفيع عيسى ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع.
أنت هنا
قراءة كتاب الأزمة المالية العالمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأزمة المالية العالمية
لذلك كله، واجه أفراد الطبقات الوسطى صعوبات متزايدة في رد الديون المترتبة على الاقتراض الممنوح لتغطية النفقات الاستهلاكية والعقارية. ومن هنا نشأت أزمة الائتمان والرهن في القطاع السكني والعقاري بالذات. وتفاقم عجز المدينين المباشرين، وأعقبه عجز المدينين غير المباشرين، أي المصارف والكبرى منها.
ومن العجز عن السداد للأقساط وأسعار الفائدة نجمت مشكلة سميت بالقروض منخفضة الرتبة من حيث التصنيف الائتماني، وشيئاً فشيئاً أصبح يطلق عليها الديون المعدومة.
وأخذت تتداعي حوائط الصد وخطوط الدفاع. وظهر ذلك جليا في الأزمة التي عانتها مؤسسة بير ستيرنز، والتي كانت على وشك إعلان الإفلاس في مارس الماضي، وتقدمت الحكومة الأمريكية لإنقاذها في ذلك الوقت، حينما تقدمت بالضمان اللازم للديون. لقد كان هذا بمثابة بدء التداعي الخطر لحائط الصد الأول. وفي منتصف أكتوبر (تشرين أول) الجاري، حدثت مقدمات التداعي لحائط الصد الثاني، وهي مؤسسات التأمين والضمان على مؤسسات التأمين والضمان..! وتمثل ذلك في أزمة مؤسستي (فاني ماي) و(فريدي ماك)، اللتين تتعاملان في قروض منخفضة الرتبة (أو ذات المخاطر) في القطاع السكني والعقاري بقيمة تتجاوز خمسة تريليونات من الدولاراًت: (5,3 تريليون). وقد هبت الحكومة الأمريكية لتمثل حائط الصد الثالث أو (خط الدفاع الأخير) عن النظام المالي الأمريكي- بل والعالمي، فقامت ببسط سيطرتها على هاتين المؤسستين، بصورة مباشرة وصفها البعض بالتأميم..!
وعلى إثر ذلك وقعت الواقعة على واحد من أكبر المصارف الأمريكية المانحة للقروض العقارية وذات الديون المعدومة وهو بنك (ليهمان براذرز)، والذي يتحمل ديونا خطرة بمقدار 60 مليار دولار، وفشلت صفقة إنقاذه المقترحة لشرائه بواسطة بنك أوف أمريكا وبنك باركليز البريطاني، كما رفض "مجلس الاحتياط الفيدرالي" (بمثابة البنك المركزي للولايات المتحدة) مساعدته بضمان قروضه، فما كان منه إلا أن تقدم بطلب لإشهار إفلاسه، حيث وضع نفسه تحت مظلة قانون الإفلاس في الولايات المتحدة، للعمل تحت إشراف قضائي، ريثما يتمكن من حل مشكلات تعثره في السداد مع دائنيه أو ضامنيه..!
ومع تهاوي بنك ليهمان – رابع أكبر مصرف أمريكي- برزت نذر تفاقم الأزمة جلية. ومعها بالضبط، تهاوت مؤسسة ميريل لينش – حائط صد من الطراز الأول- فتقدم بنك أوف أمريكا بشرائها، بمبلغ 50 مليار دولار.. وإلا فالبديل هو شفا الكارثة المحدقة..!
وأخيراً، وبتاريخ 23 سبتمبر (أيلول) أعلن "مجلس الاحتياط الفيدرالي" موافقته على طلب مصرفي (جولد مان ساكس)، و(مورجان ستانلي)، بالتحول إلى شركتين قابضتين تعملان تحت إشراف المجلس المذكور، وتحت رقابة الحكومة الأمريكية، وفق قواعد مصرفية صارمة، بما يتيح للمصرفين الحصول على قروض ائتمانية مضمونة من الحكومة، مما يحفظ استمرارهما، بعد أن فشلا في تحقيق صفقة للاندماج مع كيانات مالية أكبر.
وهكذا، فإن المثير في الأزمة المالية الراهنة هو الدور الجديد الذي تقوم به (الدولة) ممثلة في الحكومة الاتحادية الأمريكية، والحكومة البريطانية، والأجهزة الحكومية المختصة في اليابان والدول الأوربية. وفي الولايات المتحدة بالذات، بدأت تتضح علامات الدور الجديد للدولة والحكومة. فقد وضعت ملامح صفقة إنقاذية للمؤسسات المالية والمصرفية بقيمة تريليون دولار تقريباً. وتمثل ذلك في تعهد الحكومة بتقديم مقترح شامل للكونجرس للحصول على تفويض بإنفاق مبلغ يتراوح بين 700 و900 مليار دولار، تلعب الحكومة بمقتضاها دور (الضامن الأخير) – خط الدفاع النهائي- كتأمين للصناديق والمؤسسات والمصارف العاملة في حقل الإقراض العقاري والسكني. وتوفر من هذا المبلغ أكثر من 250 مليار دولار لدى (مجلس الاحتياط الاتحادي) تم التصرف في نحو 70 مليار دولار منها كدفعة معجلة. وفي نفس الوقت قامت المصارف المركزية في الدول الصناعية بضخ أو التعهد بضخ سيولة مقدرة بنحو 180 مليار دولار- منها 40 مليار من (بنك انجلترا) – بمثابة المصرف المركزي البريطاني- و40 مليار من المصرف المركزي الأوربي، و50 مليار من المصرف المركزي الياباني و10 مليار دولار من كل من المصرف المركزي السويسري والكندي.