كتاب " الأزمة المالية العالمية " ، تأليف د. محمد عبد الشفيع عيسى ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع.
أنت هنا
قراءة كتاب الأزمة المالية العالمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأزمة المالية العالمية
2- خطوة إلى الأمام..خطوتان إلى الخلف..؟
حزمة الإنقاذ المالي الأمريكية في الميزان
تفاعلت الأزمة المالية العالمية في عقر دار المركز الرأسمالي المسيطر، الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة (دراماتيكية)حقاً في وقت وجيز، وإن تكن مقدماتها ظاهرة للعيان لأعوام عديدة، كما أشار جوزيف ستيجلتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، وهو ما كان يدعو إلى التنبه بصورة أدق، من جانب صانع القرار الأمريكي.
والمثير في الأمر، كما لاحظت (الإيكونوميست)([3])- أن مركز الأزمة لم يكن في النظام المصرفي الرسمي، وإنما في المنظومة المصرفية غير الرسمية، إذا صح هذا التعبير.
وتمتد هذه المنظومة من مجموعات التمويل (مثل ميريل لينش التي أفلتت من الانهيار بشرائها من قبل "بنك أوف أمريكا" في 17 سبتمبر 2008) ومؤسسات التأمين (وخاصة "المجموعة الأمريكية الدولية" AIG والذي أنقذتها الحكومة الأمريكية بقرض يقيمة 85 مليار دولار) وشركات الرهن العقاري (فاني ماي وفريدي ماك واللتين فرضت الحكومة سيطرتها عليهما) والمصارف الاستثمارية (مثل ليهمان براذرز الذي رفضت الحكومة الأمريكية إنقاذه فتفجرت الأزمة بإعلان إفلاسه في 16 سبتمبر 2008)، وكل من جولدمان ساكس ومورجان ستانلي اللتين وافقت الحكومة على تحولهما من مصرفين استثماريين إلى شركتين قابضتين لإنقاذهما من السقوط في 21 سبتمبر)، والمؤسسسات المالية التي رعتها الحكومة (مثل بير ستيرنز التي أنقذتها الحكومة الأمريكية مبكرا في مارس الماضي)، وصناديق التحوط..إلخ.
انهار هذا البنيان الهائل، ليس بين عشية وضحاها على كل حال. فهذا الانهيار وليد الفلسفة (الليبرالية الجديدة) القائمة منذ مطلع الثمانينات من القرن المنصرم، على إطلاق العنان للقطاع الخاص وآلية السوق. وهو ليس أي قطاع خاص..! فهي الشركات العملاقة (الديناصورية) التي هيمنت على الاقتصاد الرأسمالي المتقدم في مركزه الثلاثي (أمريكا الشمالية، وأوربا الغربية، واليابان) وعلى ملحقاًت هذا الاقتصاد (في شرق آسيا) وعلى تخومه البعيدة –وراء البحار فيما كان يسمى "العالم الثالث"- ثم مدت نطاق هيمنتها منذ مطلع التسعينات، على الاقتصاد العالمي بأكمله لتضم المجموعة السوفيتية السابقة، وخاصة أوربا الشرقية، وما تبقى من بلاد العالم الثالث التي كانت تمتعت بعلاقات خاصة مع الاتحاد السوفيتي. هكذا إذن أصبح النظام الرأسمالي الدولي نظاما عالميا، وإن شئت فقل، أصبح هو (النظام العالمي)، بل صار نظاما كوكبيا يتربع على عرش الكرة الأرضية جميعاً.
سيطرت هذه الشركات (عابرة الجنسيات) على الإنتاج الدولي من خلال الاستثمارات المباشرة، تنقل المصانع إلى خارج (المركز) ومعها التكنولوجيا ورأس المال، وإن تكن التكنولوجيا أقل تطورا، وأعلى كلفة، وأكثر إضرارا بالبيئة البشرية. وسيطرت البنوك عابرة الجنسيات، وشركات ومؤسسات التمويل الخاصة العملاقة من الغرب، على حركة المال والسيولة، في العالم المتقدم والشطر الأكبر من العالم الأقل تطورا- تساندها "مؤسسات بريتون وودز" التي ولدت في عام 1944 في تلك المدينة الأمريكية الصغيرة، وهي صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي. ولحق ببريتون وودز، منظمة التجارة العالمية منذ 1994.