أنت هنا

قراءة كتاب الأزمة المالية العالمية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأزمة المالية العالمية

الأزمة المالية العالمية

كتاب " الأزمة المالية العالمية " ، تأليف د. محمد عبد الشفيع عيسى ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

هذا كله عن السؤال الأول من الأسئلة الواردة في صدر هذا الحديث: سحابة أم فيضان؟ وهل تمس الجميع، وإلى أي مدى؟ ونأتي إلى السؤال الثاني: ما الفرق بين الأزمة الراهنة والأزمات السابقة، لا من حيث المسببات، ولكن من حيث "وصفة العلاج" وأثرها المتوقع.؟

بدأت ملامح الأزمة المالية في الولايات المتحدة، في التكشف تدريجياً خلال العامينالسابقين على انفجار الأزمة. وبعد (فترة تأخير) طويلة نسبياً، بدأت خطوات العلاج في الولايات المتحدة، بطيئة ومتثاقلة، منذ 16 مارس من العام 2008 من خلال مساعدة الحكومة الأمريكية لصفقة شراء أول مصرف متعثر في الولايات المتحدة (بير ستيرنز) من قبل مصرف جي بي مورجان.

وبعد (صمت) لصوت الأزمة لمدة ستة شهور، أوشكت مؤسستا فاي ماي وفريدي ماك على الإفلاس، فقامت الحكومة الأمريكية بفرض السيطرة المباشرة عليهما، من خلال شراء أغلبية الأسهم، فيما أطلق عليه مصطلح (التأميم)، يوم 7 سبتمبر. وفي 14- 15 سبتمبر تكشفت أزمة نقص السيولة لدى بنك (ليهمان براذرز) رابع أكبر بنك في الولايات المتحدة وفي 17 سبتمبر طلب البنك حمايته من الدائنين بوضعه تحت مظلة "قانون الإفلاس" بعد أن رفضت الحكومة إنقاذه، وكانت قيمة معاملاته في الديون المتعثرة، من خلال (صفقات مقايضة الديون المتأخر تحصيلها) قد بلغت نحو 700 مليار دولار: (613 ملياراً بالضبط). ولكن في نفس اليوم تقريباً، وبعد مأساة طلب شهر إفلاس المصرف السابق، قامت الحكومة بإنقاذ شركة التأمين العملاقة التي كانت ضامنة لمعظم صفقات ذلك المصرف بالذات، وهي (إيه آي جي) - المجموعة الأمريكية الدولية. وكانت هذه المجموعة قد تراكمت عليها قيمة بالغة الارتفاع لعمليات (مقايضة الديون) بنحو 440 مليار دولار، وتمثلت (القشة التي قصمت الظهر) في عجزها عن الوفاء بالتزامات بلغت قيمتها 14 مليار دولار من وثائق التأمين. فلم يكن بد من إنقاذها، لسبب مهم وهي أنها كانت (بمثابة جداًر الأمان الأخير في سوق عمليات مقايضة الديون)([7]).

وقد تفاعلت نُذُر الأزمة أصلا من خلال سوق عمليات مقايضة الديون، وتجارة المشتقات المالية، أي إصدار أسهم وسندات وأوراق مالية أخرى مدعومة بالرهونات العقارية، كشكل من أشكال الضمان، أو التأمين على الديون المتعثرة وغير محققة السداد. وكان تضخم قيمة هذه العمليات وراء انفجار الأزمة أخيراً، إذ بلغت قرابة 62 تريليون دور، وإن انخفضت إلى 55 تريليون دولار، بفعل التدخل الحكومي.

وقد لا يعلم الكثيرون أن أزمة (الكساد العالمي الكبير) والتي استمرت قرابة خمس سنوات (1929-1933) مضت بدون علاج حقيقي حتى شارفت على النهاية، بعد أن استنزفت قوى الاقتصاد الغربي والأمريكي، في دورة قاسية من "دورات الأعمال" المتعاقبة، والمعروفة في تاريخ الرأسمالية العالمية. فالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، صاحب (السياسة الجديدة) ذات الجوهر "الكينزي"- التدخلي، لم يتولّ المنصب الرئاسي إلا في أول يناير 1933، وبدأت (دورة) لحكم الحزب الديموقراطي لمدة عشرين سنة، على أيدي روزفلت وترومان، حتي مجيء الرئيس (الجمهوري) العتيد، دوايت أيزنهاور، في أول يناير 1953.

ويتمثل جوهر "السياسة الجديدة" لروزفلت في استخدام أدوات السياسة النقدية والمالية للتغلب على الركود ومعاودة الانتعاش عبر التعافي التدريجي، الذي استكملت حلقاته بالدور النشيط للجهاز الاقتصادي خلال الحرب العالمية الثانية، مصحوبا بالدور القيادي للإنفاق الحكومي في المجالين: المدني والعسكري.

وما أدوات السياسة النقدية للحكومة سوى سعر الفائدة وسعر الصرف و"منْح الائتمان". وما أدوات السياسة المالية للحكومة سوى أدوات الميزانية: الإنفاق العام، من جهة أولى، والضريبة، و"الضريبة السلبية" أي الدعم والإعانات، من جهة أخرى.

وعن طريق خفض معدلات الفائدة يتم تشجيع الاقتراض وإقامة المشروعات الاستثمارية، تدعمها سياسة تيسيرية في مجال تقديم القروض للمبادرين والمنظمين وأرباب المشروعات. وعن طريق خفض سعر العملة الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية، يتم تشجيع الصادرات وكبح نمو الواردات، بالاستفادة من ارتفاع مرونة الجهاز الإنتاجي إزاء تغير سعر العملة (علماً بأن هذا الشرط، أي مرونة الجهاز الإنتاجي، غير متوفر في البلاد النامية-"غير الناهضة"- ولذلك لا يؤدي خفض العملة، في حد ذاته، إلى أثر إيجابي لحفز الصادرات في تلك البلاد).

وعن طريق النفقات الحكومية الموجهة إلى زيادة حجم التشغيل من خلال التوسع في مشروعات البنية الأساسية بالذات، يتم خلق فرص العمل وتوليد الدخول. وينتج عن ذلك ذلك، زيادة إنفاق الأفراد على الاستهلاك (ويؤدي هذا بدوره إلى زيادة "مضاعفة" في الدخل القومي، في نهاية المطاف، من خلال ما يسمى في علم الاقتصاد بأثر "المضاعف") وكذا زيادة إنفاق الرواد المبادرين وأصحاب رأس المال، على الاستثمار في المشروعات الجديدة (ويؤدي هذا بدوره أيضاً إلى زيادة "مضاعفة" نهائية في الدخل القومي عن طريق ما يعرف بأثر "المعجّل" أو "المسرّع").

وعن طريق الضريبة والإعانات يتم "التمييز الإيجابي" لصالح المشروعات الإنتاجية المحققة لزيادة التشغيل وتسريع دورة خلق الدخول، ولصالح أصحاب الدخول المحدودة.

هذه الوصفة العلاجية المتكاملة والقائمة على تفعيل قوة التدخل الحكومي، لم تجرب إذن بشكل حقيقي إبان اندلاع أزمة الكساد الكبير، وكانت هناك "فترة تأخير" مقدرة بعدة سنوات – برغم سبق بلورتها، على المستوى النظري، منذ عام 1926 تقريباً، من خلال أعمال المفكر الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز.

فأين هذا مما جرى خلال الفترة الأخيرة، حينما هرع كل من وزير الخزانة (بولسون) ورئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي (برنانكي)، لوضع وصفة أولية، جرى استكمالها من خلال مجلسي الكونجرس، لتكتسي ملامحها "الكينزية" خلال أيام معدودات.

الصفحات