كتاب " الأزمة المالية العالمية " ، تأليف د. محمد عبد الشفيع عيسى ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع.
أنت هنا
قراءة كتاب الأزمة المالية العالمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأزمة المالية العالمية
فالعلل كامنة إذن في بنيان الاقتصاد الأمريكي، ولكن لديه موارد استراتيجية عظمى، منها: قوة "العملة الخضراء"، واستخدامها كعملة احتياطي دولية كبرى من قبل المصارف المركزية والمؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف، وتسوية المعاملات الدولية في سلع استراتيجية بهذه العملة (خاصة النفط)- ومنها التفوق العلمي والتكنولوجي الكاسح للولايات المتحدة في مواجهة كل من أوربا واليابان، منذ مطلع التسعينات، وارتفاع القدرة الابتكارية ومعدلات الإنتاجية. والأهم من كل ذلك: جني منافع اقتصادية غير محدودة من وراء احتلال مركز القيادة في هيكل النظام الدولي القائم – كقطب وحيد أو شبه وحيد، ولو مؤقتاً- مما يتيح لهذه الدولة الحصول على موارد طبيعية وطاقوية تحتاج إليها، وموارد مالية، بل وبشرية أيضاً، بتكلفة مقبولة من وجهة نظر المصالح الاقتصادية.
إن كل ذلك قد مكّن الولايات المتحدة من الاستمرار بنموذج نموها الفريد، القائم على الاستهلاك أساساً (نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي)، وليس على الادخار والاستثمار الذاتي- ومؤدى ذلك تشجيع الائتمان المصرفي الموجه لاقتناء وحيازة السلع الاستهلاكية المعمرة من قبل الأفراد (مساكن- سيارات – أجهزة منزلية ومعدات ترفية). ومن هنا تقبع أزمة الإقراض العقاري الراهنة: حيث تزايد الإقبال على الاقتراض في ظل انخفاض أسعار المساكن، مع الإعفاء من دفع الأقساط لمدة ثلاث سنوات، والاكتفاء بالفوائد خلالها- واتخاذ المساكن كرهون قابلة للبيع بعد إفلاس ملاكها المفترضين.. وبعد ذلك، وتحت وطأة الأقساط واجبة السداد، وارتفاع تكلفة الفوائد المتراكمة، عجز الملاك المدينون عن السداد، وبدأت الدائرة تدور..!
القمة الأوربية
انعقدت قمة أوربية مصغرة يوم 4/10 في ظل الرئاسة الفرنسية الدورية للاتحاد الأوربي، ضمت فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، وحققت إنجازا رمزياً، ولكنها أخفقت من وجهة النظر الموضوعية. فقد أقرت ضرورة العمل من أجل رأسمالية صحيحة، وأضاف الرئيس الفرنسي: (غير قائمة على المضاربات). ولكن القمة كان معروضا عليها مشروعان، لم تتفق على أي منهما: مشروع فرنسي بتأسيس صندوق لمساعدة المؤسسات الأوربية المتعثرة بقيمة 300 مليار دولار، ومشروع بريطاني بإنشاء مخصص بقيمة 12 مليار دولار لذات الغرض. ولم تتحمس ألمانيا لفكرة الصندوق والمخصص المالي، وشقت طريقاً خاصاً بها لمعالجة الأزمة في جوانب معينة، إلى جانب بعض الدول الأخرى أعضاء الاتحاد الأوربي من غرب وشمال أوربا، وخاصة من حيث الضمان الحكومي لكامل الودائع المصرفية، بدون هامش معين، كما فعلت الخطة الأمريكية.
وانعقدت القمة الأوربية الكاملة للاتحاد الأوربي يومي 15 و16 من شهر أكتوبر - للنظر في وضع رد أوربي مشترك على الأزمة. وانعقد بالفعل اجتماع تحضيري لوزراء المالية بوم 6/10 مؤكدا الحاجة التي عبرت عنها القمة الرباعية بشأن إصلاح قواعد النظام المالي، وداعياً إلى العمل من أجل استقرار الأسواق وتوجيه البنك المركزي الأوربي لمساعدة المصارف المتعثرة (عند الضرورة) "فقط"، في دعم لوجهة النظر الألمانية السابقة، فيما يبدو، من حيث عدم إعطاء (صك على بياض) للمؤسسات المالية ذات العلاقة، [دون أن تكون هناك ضوابط كافية تحكم سلوكها وأداءها في تعاملها ونشاطاتها الائتمانية]([6]):
فما حدود الأفق..؟
على الأجل القصير، تجلى التنازع بين اتجاهين: اتجاه الإدارة الأمريكية الداعي إلى التركيز سريعاً على تخفيف الاحتقان في الأسواق، لخدمة الحملة للانتخابية للمرشح الجمهوري ماكين، مع القيام بإجراءات ذات طبيعة رمزية مثل الرضوخ لمطلب بمحاكمة قيادات بعض المؤسسات المنهارة بتهمة (الاحتيال) فيما يبدو أنه اتهام بإلحاق خسارة متعمدة في الأصول الخاصة بهذه المؤسسات، على الورق، للحصول على الدعم الحكومي اللازم.
وهناك الاتجاه الآخر الذي تزعمه سياسياً، بعض قادة الحزب الديموقراطي، بشأن التأكيد على مسئولية الجمهوريين عن المأزق الراهن، والإعراب عن المخاوف من المعالجة المبتسرة للأزمة الراهنة.
هل هو امتداد للتنازع الدائم، ضمن لوحة السياسة الأمريكية منذ نشأتها، بين (الليبرالية الطيبة) الداعية إلى تحسين توزيع الدخول ومراعاة محدودي الدخل والطبقات المتوسطة والأقليات، من خلال تدخل الحكومة، وبين (الليبرالية الشرسة) التي تصطف إلى جانب القطاع الخاص الكبير والشركات ذات الحول والطول، وتشجع الاتجاه الامبراطوري والمغامر في السياسة الخارجية..؟
ربما كان الأمر كذلك. ولكن من المؤكد، أن زمان الرأسمالية ما يزال ممتداً في الأفق الآتي على المستوى العالمي العام، طالما لم يتشكل البديل الحقيقي على المستويين: الوطني والعالمي، ولم تنضج ظروفه الموضوعية بصورة حقيقية. وهناك تغيرات كبيرة تترى في الموازين التاريخية خلال السنوات القليلة الأخيرة، في غير مصلحة الرأسمالية العالمية.