قبائل العرب تفاضلت فيما بينها بناءً على معايير أخلاقية كانت قد ارتضتها، فكانت تتفاضل بالمروءة وبكل عناوينها من شجاعة وكرم وحماية جار وحلم وإباء وصدق وما إلى ذلك.
أنت هنا
قراءة كتاب المختصر في أخبار كنانة مضر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
تمهيد
قبائل العرب تفاضلت فيما بينها بناءً على معايير أخلاقية كانت قد ارتضتها، فكانت تتفاضل بالمروءة وبكل عناوينها من شجاعة وكرم وحماية جار وحلم وإباء وصدق وما إلى ذلك. هذا التفاضل كان في حقيقته شكلاً من أشكال التحدي، وقد يكون التحدي داخل القبيلة الواحدة فيتبارى أفرادها ليبرزون أنفسهم فيشتهر فرد من أفرادها بخلق يصير هذا الخلق مثالاً يُحتذى في قبيلته، وقد تطير شهرته إلى بقية العرب وربما وجد مثال آخر في قبيلة أخرى بنفس المواصفات أو قريباً منها.
وقد يكون التحدي أوسع نطاقاً وأبعد مدى فيكون تحدياً قبلياً، تتنافس به القبائل وكل تحاول أن تعتلي ذروة موضوع التحدي. وتحت هذا المفهوم يمكن أن تفسر الصراعات القبلية التي كانت سائدة قبل الإسلام.
هذا التحدي قد ينتج عنه عُرف وقيم جديدة فيكون هذا العُرف وهذه القيم محط احترام لدى العرب عموماً أو غالبيتهم، ومن هذا ما كان يُعرف عند العرب قبل الإسلام بالحمس والنسيء والوصيلة.
ولما جاء الإسلام ألقى على العرب مسؤولية حمل الرسالة ومسؤولية تبليغها للأمم الأخرى. فكان العرب مبشَّرين ومبشِّرين. هذا يعني كونهم عرباً قد رتب عليهم مسؤولية لا ينهض بها سواهم. الوحي نزل بلسانهم وعليهم نقل هذه الرسالة وفق قواعد لسانهم للأمم الأخرى التي لها ألسنتها المختلفة والخاصة بها.
إن تلقّي الرسالة السماوية كان تحدياً للعرب قريباً مما كان يعرفونه من تحدي قبل الإسلام، فأخلاقهم التي اتسمت بالشجاعة والصدق والأمانة والصبر مكّنتهم من فهم الإسلام، ولو بعد عناد، إذ أنهم لما رجعوا لأنفسهم ولضوابطهم التي ارتضوها وجدوا الإسلام منسجماً مع أخلاقهم، فحملوا الرسالة واستوعبوها وارتضوا تنزيهها لأخلاقهم مما كان يشوبها من عيب.
ولكن التبليغ للأمم الأخرى جلب على العرب تحدياً جديداً، أو أنه أعطى التحدي بُعداً أعمق، يختلف عما كان العرب يعرفونه، لا يمكن أن ينهض له الرمح أو السيف ولا إقراء الضيف ولا الصبر. تمثل هذا التحدي في دخول الفرس الإسلام وانضوائهم تحت رايته، إن دخول الفرس للإسلام هدد العرب في لغتهم، وكان تهديداً لهم جميعاً ولعلاقتهم بالدّين، الفرس لهم لسانهم، وهم لم يكونوا يقصدون هذا التهديد ولكنه كان خطراً قاتلاً.
أمام هذا التحدي نهض رجل من بني كنانة نيابة عن العرب جميعاً، فاستقرأ لغتهم، واستنبط ضوابطاً لها، فحمى الإسلام بأن رسم نحو العربية، هذا الرجل هو أبو الأسود الدؤلي رأس المدرسة البصرية وأبوها. وليس هذا كل ما فعله أبو الأسود بل إنه رسم علامات الإعراب.
وعلى خطى أبي الأسود يخطو نصر بن عاصم الليثي الكناني فيعطي رسم الحرف العربي شكله النهائي وذلك بتنقيط الحروف لتمييزها، فسهّل قراءة الحروف وأزال اللبس.
هكذا عبر أبو الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم الليثي بالعرب جميعاً بحر الظلمة ومحنة اللسان فكسبت أمة العرب على يديهما أصعب تحدي.