أنت هنا

قراءة كتاب متحف الذاكرة الحيفاوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
متحف الذاكرة الحيفاوية

متحف الذاكرة الحيفاوية

كتاب " متحف الذاكرة الحيفاوية " ، تأليف د. سميح سعود ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

حُفِظَت تلك المقتنيات في بيت أسرتي في حيفا لسنوات طويلة، تعودتُ على رؤيتها عندما كنت طفلاً، وكان نقلها والدي إلى بيت الأسرة في قرية بُرقة قبل ستة شهور من سقوط حيفا، حين حَدَسَ أن الحرب ستمتد في المدينة لفترة طويلة من الوقت، وأراد أن يحفظ مقتنياته بعيداً عن ساحة القتال، وبَقيت بعد حدوث زلزال النكبة في بُرقة، وأوصاني والدي بالحفاظ عليها، وبعد رحيله نقلتها إلى عمّان بصعوبة وبكميات قليلة وعلى امتداد سنوات عدّة، وهي معي الآن في عمّان مثقلة بحكايا ملحمية توازي أضخم الروايات والملاحم، عن مرارة المنافي والشتات والإقتلاع من الأرض والحرمان من الوطن.

بفضل هذه المقتنيات القديمة، ورثتُ عن والدي حُبَّ تجميع المقتنيات التراثية، ومع مرور الأيام تمكنت من الحصول على عدد غير قليل من المقتنيات المرتبطة بالتراث، ولديّ الآن مجموعة كبيرة منها مختلفة الأشكال والأنواع والأحجام، وما يجمعها أنها تكوينات متجانسة، في مجال السجاد والفضيات والنحاسيات والزجاجيات والفخاريات والأثاث القديم، كما ورثت عنه اهتمامه الخاص بتجميع المسكوكات القديمة، حيث تواصل اهتمامي بها طيلة سني عمري، وأحفظُ مجموعة كبيرة من النقود المعدنية الرومانية والبيزنطية والساسانية (الكسروية) على شكل دنانير ودراهم كانت متداولة في الدول العربية في مجال معاملات البيع والشراء، وكذلك النقود المعدنية الأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية والسلجوقية التي سُكت من النحاس والبرونز والفضة والذهب الخفيف، ضُربت بمأثورات وإشارات ونقوش زخرفية وتواريخ خاصة بها في مدن عديدة، منها: دمشق، وواسط، والبصرة، والكوفة، والسلام، والهاشمية، واسطنبول.

بدأ اهتمامي بتجميع المسكوكات واقتنائها منذ طفولتي، عندما كنت أحفر مع أصدقائي عن المطمور منها في أراضي قرية سبسطية الأثرية الواقعة على مقربة من قريتي، وقد أفادتني تلك المسكوكات في دراسة علم الاقتصاد الذي تخصصتُ به، وفي التعرف على التاريخ الاقتصادي العربي بشكل عام، و في معرفة سير الحكام الذين ضربوها في الأزمنة الماضية، كذلك أفادتني كثيراً في إضافة مصطلحات تعريفية للنقود العربية والأجنبية إلى الموسوعة الاقتصادية التي عملتُ على تأليفها على مدار أربعة عقود، وأصدرتها في عام 2008، وهي الأولى من نوعها باللغة العربية اتساعاً وعمقاً، تُعَرّف، بمنهجية علمية، وعبر مجلدين تتجاوز صفحاتهما الألف صفحة؛ بمجموعة كبيرة من المصطلحات الاقتصادية العلمية بما فيها مصطلحات كثيرة عن المسكوكات النقدية القديمة.

كما إنني تمكنت، بفضل تلك المقتنيات التي ورثتها عن والدي، أن أكتب كتابي الموسوم: "بُرقة حيفا.. البحث عن الجذور". إذ إنها جسدت لي ذاكرة في تكوينات مُحكمة لا حدود لها عن أيام طفولتي الباكرة في مسقط رأسي في حيفا وعن قريتي بُرقة، وساعدتني على تلمس مخزون خصب عن جذور أهلي وأجدادي وبعض الحوادث الكثيرة التي عاشتها أسرتي في زمن مضى.

تمكنت بها التمتع بذاكرة مرئية تُغرقني دوماً في بحر من التأملات بمحركات نفسية مؤثرة، أسترجع فيها صوراً كثيرة مختلطة ومتشابكة لفلسطين كلها تمتد في فضاءات رحبة متشعبة، تنطق بحبي وهيامي بها، استحضر مكنوناتها ببؤر لاقطة تعكسُ لي شظايا أجزاء من أرض بلدي وسمائها وبحرها وترابها ووجوه أهلها وكل ماكان فيها، أتلمس فيها تفاصيل مضت رغم تباعد الزمان والمكان. إنها توقظ في داخلي شهوة الحياة رغم مرارة المنافي والشتات.

الصفحات