قراءة كتاب خطاب أدب الرحلات في القرن الرابع الهجري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خطاب أدب الرحلات في القرن الرابع الهجري

خطاب أدب الرحلات في القرن الرابع الهجري

كتاب : خطاب أدب الرحلات في القرن الرابع الهجري " ، تأليف د. نهلة الشقران ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

حصاد الرحلة

ظهر حصاد الرحلة في القرن الرابع الهجري، واكتملت ملامحه، وتنوَّعت أشكاله، فحمل القوالب التصويرية الكثيرة للزمان والمكان والإنسانيَّة، مما جعل نفيس أحمد( ) يرى أن العهد الأصيل والمثمر للجغرافيا الإسلاميَّة ينقضي عند انتهاء المؤلفات المصنَّفة في القرن الرابع الهجريِّ، ويبدو أنه قصد الجغرافيا الإسلاميَّة المعتمدة على الرحلة، فالكتابة في القرن الرابع الهجريِّ اعتمدت بشكل كبير على المشاهدة الشخصيَّة والحسِّ، ومن ذلك عنايتها بالمسالك والطرق والمسافات وندرة الإحصاءات( ) عند الجغرافيين، إن لم نقل انعدامها.
مثَّل الجغرافيون العرب في هذه المرحلة مدرسة خاصة بهم، اتَّسمت بطابع الأمانة العلميَّة، باعتمادها الرحلة سبيلاً في توثيق معلوماتهم، فعرَّفوا العالم، شرقه وغربه، في أقطار الدولة الإسلاميَّة خاصة، ووصفوها أحسن الوصف وأدقَّه، فأرسوا بذلك قواعد الجغرافيا الوصفيَّة والدراسة الميدانيَّة التي جاءت في ما بعد.
هذا الأمر جعل الجغرافيا تختلط بالرحلات-كما ذكرت- واستمرَّ الاتصال بينهما مدة لا يُستهان بها عند معظم الجغرافيين. أمَّا من انتحوا الرحلة وحسب، فكانت جغرافيتهم بشريَّة أكثر منها طبيعيَّة، ويبدو أن أنواع الرحلة تعدَّدت في القرن الرابع الهجريِّ، وتبلورت في الأشكال التالية:
1.    رحلات اعتنت بأقطار العالم الإسلاميِّ ووصفت بلدانه وجغرافيَّته وأهله، ومزجت بين الجغرافيا الوصفيَّة والعلوم الأخرى كالتاريخ، وعلم الإنسان، واللغة، وعلوم الدين، وما يمثلها كتابات البلخي، والاصطخري، وابن حوقل، والمقدسي.
2.    رحلات متخصِّصة في قُطر واحد، جغرافياًّ وعُمرانياً وإنسانياً، كالهمداني في كتابه
«صفة جزيرة العرب».
3.    رحلات تاريخيَّة أكثر منها جغرافيَّة أو إنسانيَّة، وقد عُنِيَ أصحابها بالجانب التاريخيِّ، وتدوين القصص والأخبار أكثر من عنايتهم بوصف المشاهدة المباشرة، وخير مثال لها المسعودي في كتابه «التنبيه والإشراف».
4.    رحلات إنسانيَّة اهتمَّت بوصف عادات الناس وسلوكهم، وعُنِيَ أصحابها بالتحليل الدقيق لما شاهدوه، فاحتوت ملامح علم الإنسان وبذوره، ومثالها «رحلة ابن فضلان إلى بلاد الترك والخزر والصقالبة».
الرحلات، إذن، لها طبيعة وصفيَّة تقرِّبها حيناً من الجغرافيا، وتبعدها عنها أحياناً أخرى، بفرضها على منتهجها نظاماً وصفيَّاً، يجعله يمرُّ بعيون البشر قبل زوايا المكان، ثم ترتد الرؤية الوصفيَّة لبؤرتها في مخيِّلته، قبل تسجيل الحدث، وكأننا أمام شبكتين بصـريتين( )، الأولى: متمثلة بالمكان المرتَحَل إليه وأهله وزمانه، والثانية: متمثلة بالرحَّالة وما علق به من المكان والأهل والزمان.
يتمثَّل حصاد الرحلة في نهاية الأمر بعين الرحَّالة نفسه، ونقل سطوة المكان أمام سطوة مخيِّلته، حتى يتضاءل تاريخ المكان في معظم الأحيان أمام تاريخه الشخصـيِّ الذي يحرِّكه، ويقوده في وصفه لما يرى، «فالرحَّالة لا يقدِّم المكان الجغرافيِّ، بل يقدِّم المكان من خلال منظوره الخاص»( )، ورغم أن الرحَّالة يصف أمكنةً ومسالكَ، إلا أنه ينتهج لغةَ خطابٍ من
نوعٍ مَّا بينه وبين المكان، قد لا يحسَّ بها إلَّا من التمس حصاد الرحلة عن قرب، وعايش اللفظ.

الصفحات