كتاب : خطاب أدب الرحلات في القرن الرابع الهجري " ، تأليف د. نهلة الشقران ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
قراءة كتاب خطاب أدب الرحلات في القرن الرابع الهجري
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
خطاب أدب الرحلات في القرن الرابع الهجري
وسنُجمِلُ حصاد الرحلة في النقاط الآتية:
أولاً: اشتملت الرحلات على الوصف المكانيِّ، وألقت الضوء على جغرافيَّته، فأكثرت من وصف التربة، والمياه، والطقس، والتضاريس.
ثانياً: لم تهمل الرحلات أهمية المكان بأحداثه التاريخية ومذاهبه الدينيَّة، فاستشعرت جانب الأمان بالتاريخ والدين، وأرست ترحالها في دعائمهما، وتمسَّكت بنشرهما في ثنايا الرحلة.
ثالثاً: حرَّك الحنينُ إلى الوطن أحاسيسَ الرحَّالة، فجعله يصف ما يرى، ويقارن- دون أن يعي- المرئي بما ألِفَه واعتاده، ويبدو ذلك عند حديثه عن الطقوس، والعادات، والسلوك، فكثيراً ما يذكر استياءه، ويصف شعوره، ويُنصِّب نفسه حكماً على ما يرى.
رابعاً: أكثر الرحَّالة من أساليب التفضيل المختلفة، فكثرة التطواف جعلته يفاضل بين ما يرى من أمكنة، ومعابر، وطرق، ومعالم. فكرَّر الألفاظ التفضيليَّة نفسها كثيراً، وامتلأت الرحلات بألفاظ «أكبر وأجمل، وأوسع، وأشدّ، وأصفى..... إلخ».
خامساً: رافق هاجس الخوف الرحَّالة في تجواله، فإن اعتاد الترحال ووجد مبتغاه فيه إلَّا أنه لم يسلم من مخاطر الطرق ومصاعبها، فجعلته تجربة السفر يُكثر من ذكر الحصانة والمناعة، وينظر إلى المعالم نظرة متفحِّص، ويبحث عن الأمن والاستقرار، فاهتمَّ بوصف البلدان إن كانت مأهولة ومسوَّرة ومحصَّنة، وما إلى ذلك.
سادساً: أدَّت الرحلة أثرها في الكشف الاجتماعي، فقارنت بين النُّظم الاجتماعيَّة لدى البشر، «الأمر الذي جعل المؤرخين يرون أن تلك المعرفة قد وضعت الجذور الأولى لمادة الإثنوجرافيا»( )، فاعتناؤها بالنظم الاجتماعيَّة، أو علم الإنسان، أو علم الجغرافيا البشريَّة
أكَّد حقيقةً مؤدَّاها أن الرحلة كشفت العالم والإنسان، فوقفت على أحوال كثير من الأمم والشعوب، وقد حاول الرحَّالة في بعض الأحيان تحليل وتفسير ذلك وربطه بالبناء الاجتماعي، دون أهدافٍ علميَّةٍ محدَّدة( ).
وبعد هذا العرض المجمل لحصاد الرحلة في القرن الرابع الهجري، سأذكر أصحاب الرحلات الخمس التي قامت عليها هذه الدراسة:
1. الهَمْداني (280- 334 هـ)
هو أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود الهمداني، سُمِّي ابن الحائك( )، ولسان اليمن، ويُسمِّيه ياقوت في معجم البلدان (ابن الدمينة) نسبةً إلى جدِّه ابن أبي الدمين( ).
أقام في مكة مدة، اتجه فيها لرواية الحديث وكتابة الفقه، ثم عاد إلى اليمن، فنزل صعدة (قاعدة أئمة الزيدية)، ولم تطُل إقامته بها، إذ دخل في نزاع مع شعرائها أدخله السجن، ثم توفي في سجن صنعاء، ضحية مكائد خصومه( ).
اشتهر الهمداني بعلوم كثيرة منها النحو والأدب والتاريخ والجغرافيا وعلوم الأرض، وتفنَّن في الأدب الشعبي القديم في جنوب جزيرة العرب، ويرى كراتشكوفسكي أن مصنَّفه (الإكليل) خير دليل على سعة معارفه، ويعتبر اشبرنجر رحلته «صفة جزيرة العرب» إلى جانب كتاب المقدسي أقْيَمَ ما أنتجه العرب في الجغرافيا( ).
احتوت رحلته معلومات عن الظواهر الطبيعية للجزيرة العربية، ولسكانها،
ولمحصولاتها الحيوانية والنباتية والمعدنية، ولمعابرها البريَّة والبحريَّة، وقدَّم الكاتب معلومات أصيلة عن اليمن لم يسبقه إليها أحد( )، فلم يستند إلى النقل من السلف، بل كان يجوب أركان الجزيرة العربية، يبحث فيها، ويدوّن ما يراه من أسرارها.
لم يكن الهمداني رحَّالة وحسب، ولا جغرافيَّاً وحسب، بل هو متعدِّدُ الثقافة والمعرفة، له اطلاع واسع بالأنساب والتاريخ والآثار، علاوة على تملُّكه ناصية المادة الأدبيَّة( ) بدقَّة وصفه وجمال تعبيره.