كتاب " أحلام مدينة " ، تأليف فريدة ابراهيم ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب أحلام مدينة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
قالت لي سابقا وهي تحاول شرح درس التاريخ:
- إنّ هذا الزمنَ.. زمنُ حكي، فاحكِ بصدق تلك اللحظات الغائبة التي تقول تاريخنا الحقيقي. نحن لا نكتب إلا تاريخ أحلامنا أو تاريخنا الحقيقي، فاحكِ تاريخ أحلامك بصدق.
قالتها ثم اختفت.
حينها.. فهمت أن هناك الكثير من الأشياء التي تستحق أن نشتهيها وإن كانت تؤلمنا، وفهمت أيضا أن القصة؛ أية قصة يمكنها أن تنتهي مثلما بدأت فلا شيء يمكنه الخلود..
ونحن في آلامنا وأفراحنا يمكننا أن ننسى بعد أن نتألم أو نفرح، ولا يمكننا أبدا أن ننتهي قبل أن نبوح بقصة ما قد تكتبنا وفي أسوء الحالات نغامر لنكتبها فنتحرى الصدق كي لا نكرر تفاصيل الآخرين الذين يشبهوننا في الفرح أو الجرح.
نتغلغل عمدا في أعماقنا كي نكتبهم؛ هؤلاء الراحلين الذين مازالوا يتشبثون بأطراف أحلامنا فينـزلقون كل ليلة عبر شُرَفِ غرفنا الموصدة في وجه نعيقِ الغربان ونئيم البوم.
يبهرنا حضورهم المباغت فننسى كل ما مر بنا من شؤم. نقرر المسير صوب قصتنا بتفاصيلها الجديدة. نكتب الوجوه التي حفرت صورتها في الذاكرة بوشم لا يُمحى، وتلك الأصوات التي شاركتنا ضجر الليالي بمزيد من حكايا أبـي زيد الهلالي وعنترة بن شداد، وباقي القصص الشتوية المتضمخة بحنين طفولتنا الغابرة!
نكتب أسماء العابرين الذين مروا من هنا صدفة فاستمعوا لأخطائنا دون أن يؤنبونا، واستمعنا لنصائحهم التي لم تُلزمنا بشيء غير فتح شبابيك الذاكرة على مصراعيها؛ لتلتقط من تجارب الآخرين ما يكفي فتخزنه للأيام القادمة.. ودون أن يساورنا أو يساورهم الشك بصدق ما نتبادله من أحاديث نواصل رسم لوحات فنية رائعة لقصصنا المؤلمة. فجأة يداهمنا الوقت سهوا فينقطع حبل الكلام؛ وبعضه ما زال عالقا بالشفاه ينتظر العابر الآتي!
يرحل العابرون في منتصف الكلام تاركين لنا عبق طهرهم في لحظة التحام الممكن بالمستحيل.