كتاب " أحلام مدينة " ، تأليف فريدة ابراهيم ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب أحلام مدينة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- سامحيني"نانة".. يحدث أن يسكننا الحزن عمدا فننـزوي في ركن ما كي لا ننقل العدوى ولا نصيب الآخرين بأحزاننا.
- نحن أهلك لا تنسي ذلك، حزنك هو حزننا كما كان فرحك هو فرحنا لن يتغير شيئ حتى ولو اختار لك البعد عنا. أنت قطعة نـزعت من قلبـي فلا تحرميني يا ابنتي منك فيما تبقى لك من الوقت عندنا، ولا أدري إن كنت سأراك مرة أخرى!؟
يختنق الصوت أكثر.. تسقط الدموع تغسل الوجه. أقترب منها فتأخذني في حضن دافئ كما عهدته منذ أن جئتها قطعة لحم ملفوفة في قماش أبيض لا شيء يشي بوجودي غير صراخ متواصل على حليب حُرمت منه قسرا. احتضنتني كما تحضن الأم وليدها وأحبتني وكأنني المضغة التي ترعرعت في رحمها العاقر.
قبل يوم من السفر، جاء من العاصمة ليرافقني. تشجعت ووقفت أمامه، أول مرة أحس بتحد في داخلي، أبعدت عني كل خوف من نظرته الحادة أو صوته الآمر. قررت أن أسمعه صوتي ربما للمرة الأخيرة وأخبره برغبتي دون أن أجعل "نانة مريم" الواسطة كما اعتدت دائما، فهي التي تخبره عن رغباتي وتنقل لي كلامه. قلت له في تحد واضح:
- لا أريد أن أرحل من مدينتي.
رد بصوت آمر..
- لقد اخترت لك مدينة أجمل وأهدأ وأكثر أمانا.
- لكن الأوطان لا تختار.. إنها أقدارنا!
- سيأتي يوم تعرفين أن هذا الوطن ليس قدرك، وستتبرئين من هذه المدينة أيضا.
- لكنني هنا ولدت وهنا تربيت، وهنا تعلمت وهنا ماضيّ كله.
- ليس المهم ماضيك الآن.. الأهم هو مستقبلك.. دعي الماضي للوطن. غدا سترحلين مع عائلة السيد ناجي إلى تونس ومن هناك سيقوم هو بما يلزم لسفرك خارج تونس، لذلك لا أريد أي نقاش لقد انتهينا من الحديث في هذا الموضوع..
- ولكنك ستبعدني عنك..! وأنتَ من وعدتني أنك ستخبرني عن أمي.
- أنا عند وعدي ستعرفين كل شيء في وقته، فلا تستعجلي.
- وهل ستزورني في منفاي؟!