كتاب " أحلام مدينة " ، تأليف فريدة ابراهيم ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب أحلام مدينة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كم نحبهم هؤلاء المحيطين بنا رغم أنهم هناك.. ولا يمكننا اللحاق بهم لكنهم يسكنوننا. نركض ضد الوقت لنكتب التفاصيل كلها؛ تفاصيلنا معهم ودونهم، تفاصيلهم معنا وما يمكن أن نقرأه في خطوط اليد التي قد تشي بجراحنا المنفلتة عبر ثقوب الوقت المتثاقل.
نكتب كل الذي مر بنا، أو ما يمكن أن نتفرسه للآتي من الزمن ولا نترك جزءا من الفرح أو الحزن. نكتب لنقول للدنيا أننا دونهم لا نفرح، لكننا نضجر من كل الأشياء التي تتحرش بنا وقد تصيبنا بالغثيان المفاجئ، فلا مهرب لنا غير سأم الوقت وضجر الفصول.. نكتب أيضا لنقول للعالم إننا لا نكتب غير تاريخ أحلامنا بصدق، أحلامنا وأحلام الآخرين.
حسنا، ربما يساورنا الشك أحيانا أننا متفردون، بل وقد نجزم يقينا أن الأشياء التي تحدث معنا لا تشبه أبدا ما يحدث للآخرين، لكن الحقيقة أن كل الأشياء تتشابه وتتكرر، ما لا يتشابه حقا هو قدرتنا على تحمل الألم!
وحده الحزن.. يقودنا لاكتشاف ذواتنا، وعندها يمكننا اكتشاف قدراتنا واختلافنا عن الآخرين..
ما عدا ذلك.. نحن جميعا نتشابه!
نتشابه.. في اشتهائنا لقدح القهوة وإدمانه عند المساء والصباح ظنا منا أنها يمكن أن تساعدنا على النسيان أو اللامبالاة، أو أن نبقى محافظين على نشاطنا لساعات النهار كلها، في حين أننا جميعا ندرك أن مضار القهوة كثيرة، وأولها التأثير على أعصابنا التي نجاهد كي نحافظ على هدوئها.
نتشابه كذلك.. في السهر وفي العبث واللهو، وفي ارتكاب الخطايا ليقين في داخلنا أننا سنتوب يوما ما، وأن الله سيغفر لنا خطايانا.. وفي الحقيقة أننا بيقيننا هذا مثل الأبله الذي تقول الحكمة أنه لن يغير رأيه.
نتشابه كذلك.. في رحلاتنا وسفرنا ومواعيدنا مع الفرح أو الحزن. نتشابه.. في لحظات وداعنا وفي رسم البسمة الدامعة وفي الحضن الذي نخلفه وراءنا. نتشابه.. في أننا نخلف قلب أب جريح وكبد أمٍ يحترق وعيونا دامعة وصراخا وأحيانا عويلا، لكننا لا نأبه ونواصل السفر.
نتشابه.. في حمل ذاكرة بائسة لا تحسن إلا رشقنا بدبابيس الحنين، وبوجع يسرف في جلدنا كلما حاولنا التوغل صوب البحر لننفض عنا بعض غبار السنين المنكودة.
نتشابه.. أيضا في أن بيوتنا الطينية القديمة تمكر بذاكرتنا الخربة وتهزأ بأحلام يقظتنا.
نتشابه.. في أننا لا يمكن أن نصنع أفراحنا، ونتشابه أيضا في أن أحزاننا بإمكانها أن تصنعنا.
نتشابه.. في عشقنا لمدن خلفناها وراءنا؛ عطشى لقطرة مطر تسقي قلوب الناس الضعفاء.