أنت هنا

قراءة كتاب أحلام مدينة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحلام مدينة

أحلام مدينة

كتاب " أحلام مدينة " ، تأليف فريدة ابراهيم ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 8

فهل أحبه؟ هل أحببته يوما؟ متى حدث ذلك؟ كنت أُلـمِّحُ له أحيانا بحكمة "أوسكار وايلد"؛ أن السعادة لا يمكنها أن تكون سعادة إلا إذا اشترك فيها أكثر من شخص. أجزم أنه كان يفهمني فهو من أورثني هذا الزخم من الجروح، وحين كان يقول لي:

- .. لا شيء غير الورق، ورق ملفوف بحزمة من الكلام المسجى منذ زمن. ورق هو كل ما يمكن أن تتركه لك أمك، ليس أكثر!

كنت أنتهي منه، ويبقى كل الكلام المعد سلفا عالقا بلساني لأغوص في الكتب والأوراق ولا أدري إن كنت أفعل ذلك من أجل أن أداوي الجراح؟ أو ربما كنت أنبشها.. صدقا لم أكن أدري!؟

كل الكتب التي حملها إليّ التهمتها بشراهة، وما انتهت شهيتي المفتوحة على كل الصور واللوحات المختبئة في الهوامش وبين السطور وخلف الكلمات التي تبدو ساخرة، وفي الورق المعد للكتابة.

وحين قررت كالآخرين رسم تجربتي بالحروف على الورق، عجزت عن قول ما أريده، فعدلتُ عن الكتابة، لأنها لم تكن فكرتي الجيدة ومن ذلك اليوم لم أعد أفكر في الكتابة.

يقال أن كل واحد منا خلق لشيء ما، أكيد أنني لم أخلق للكتابة، لذلك اكتفيت بالقراءة والتعليق على ما أقرأ، وهذا في حد ذاته كان من الأشياء الممتعة! خاصة قراءة تلك الكتب التي كانت هي قد قرأتها، وحملها هو إليّ ربما بداعي الوفاء! كنت قبل قراءة تلك الكتب.. أشمُهُّاَ أولا ثم أضمها إليّ.. أحضنها! بعد ذلك أُواصلُ القراءة وفي القلب أمنية تتوالد مع مرور الوقت وتَعثُّرِ المواعيد، وكالمجنونةِ التي تبحث عن صورة الظِّل الذي يلاحق وجهها كلما تَطَلَّعتْ بماء النهر؛ كنتُ أُوَاصلُ البحث عن صورة لتلك التي سقطت عمدا من سنين العمر؛ فقد تكون مختبئة بين سطور أحد الكتب الذي قرأته ذات يوم، ودون اهتمام خلّفت وراءها عطرا أو هامشا أسفل السطور، قد يقودني إلى الحقيقة، أو صورة مهملة تكون مفتاح كل الأسرار.

كنت كعادتي المقيتة في كل مرة أفشل وتصيبني الخيبة، فأنـزوي في ركن غرفتي المظلم أحادث ظلاًّ لطالما تمنيت أن يتحول إلى هيئة امرأة جميلة تشبه أمنيتي، تأتيني من مدن الضباب لتضمني وتنام في حلمي الأبدي كي أصمت بقية العمر ولن أسأله عن التفاصيل، ولا عن لون العينين ولا عن الاسم وحقيقة العنوان المجهول؛ لن أسأله عن من تكون أمي ولن أسأله لماذا هجرني ورماني في عتمة القرية، بينما احتفظ هو بضوء المدن؟!

سأكتفي بأمنيتي التي زرعتها آلهة النور في حلمي، وعند مشارف كل موسم ستهطل أحلامي كأول الغيث؛ رذاذا شهيا يُذرِفُني حبات realpage0021قمحٍ حُبلى بالأمنيات، فأردفُ حلمي على صهوة حزني وأرحل بعيدا عنه وعن هذه القرية البغيضة، وسأحتفظ بأحلام تلك الطفلة الساذجة التي آمنت دوما بأن الحكاية لا تملك إلا بدايتها ونهايتها، أما باقي التفاصيل فلا تعني أحدا سواها، لأنها وحدها من تعرف متى تهبّ الريح الرادّة فتشعرها بعنفِ البداية ثم تطوح بقلبها وجسدها الغض في مدن أخرى لا يعتريها غضب الطبيعة بهذه الصورة العنيفة.

وحدها من رأت بأم عينيها اللوزيتين وبحزن واضح، بيوت الطين وهي تهوي أمام عيني كهل اختزن دموعه في محاجرها حتى لا تفضح انكساره أمام عيون أولاده الستة، بينما راحت أمهم تجمع الحطب لتوقد النار التي تدفئ ارتعاش القلوب من البرد والخوف، ومن العراء الذي أصبح بيتهم الجديد.

وحدها تلك الطفلة الساذجة، استطاعت أن تحمل هموم كل القرية وأهلها، لتحزن أكثر ولتدرك يوما بعد يوم أن البؤس قدر هذه القرية، وقدرها أيضا أن يكون الرجل الذي تحمل هي اسمه يملك نصف أراضي القرية لكنه كالحاضر الغائب لا تهمه أعياد هذه القرية البائسة ولا مآسيها المتكررة.

كان كل ما يهمه فيها محصول أخر المواسم.

وفي آخر المساءات الحزينة عندما تأوي تلك الطفلة إلى دفء سريرها الواسع، تحضنها تلك المرأة ثم تفرد على جسمها الطري بطانية تقيها برد الليل ثم تطبع على جبينها قبلة، وقبل أن تنصرف تسألها بسذاجة طفلة لم تعرف بعد معنى البؤس، لكنها تراه ساكنا في بيوت الآخرين وتحسه متلفعا ظلمة القرية، يمعن في جلد كل البسطاء في صمت.

تقول:

- من يمكنه مساعدة هؤلاء الذين سقطت سقوف بيوتهم فالتحفوا العراء؟.

الصفحات