أنت هنا

قراءة كتاب أحلام مدينة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحلام مدينة

أحلام مدينة

كتاب " أحلام مدينة " ، تأليف فريدة ابراهيم ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

تحاول استخراج بسمة من بين كومة حزن تراكمت دفعة واحدة وتجيبها بهدوئها المعهود:

- الله.. وحده من سيساعدهم.

تسمعها باهتمام ولا تفهم كيف يمكن أن يساعد الله هؤلاء الذين تهدمت بيوتهم وجرفت الأمطار حاجياتهم ثم سرعان ما تستدرك وكأنها تذكرت شيئا مهما، وبصوتها الطفولي المنكسر تقول:

- وذاك الرجل الذي يشتغلون عنده ألا يمكنه مساعدتهم؟!.

تصمت.. يأتيها الجواب سريعا ومقتضبا:

- عادة الكبار يا صغيرتي أنهم لا يهتمون بمشاكل البسطاء. نامي ولا تشغلي بالك بحزن الآخرين.. أنت ما زلت طفلة، وهم لهم رب كريم.

تنام الطفلة على أمل أن تصحو في الصباح فترى أن كرم الله قد شمل الجميع ومنح كل المشردين من بيوتهم الطينية؛ بيوتا أخرى من الحديد والاسمنت يمكنها مقاومة الأمطار والرياح العاصفة.

تنام وينام حلمها معها في انتظار مواسم أخرى تتحقق فيها كل الأحلام!

يعلو الصوت الذي يقاسمني الحزن مرة أخرى؛ صوت غيري الذي يشبهني.. قليلا أو كثيرا يشاركني أوجاعي، يعلم عني ما أعلمه وقد يزيد.

يعلم عنكم الكثير فلا تستهينوا بأصوات غيركم التي قد تحاذيكم تماما عند النقطة الفيصل بين القلب والعقل، بين الصدق والكذب، بين الغباء والدهاء، بين الربح والخسارة، بين الحب واللا حب، في تلك اللحظة التي نفرغ فيها من الجميع ولا يبقى لنا غير ذاك الصوت الذي يعلم أسرارنا، ويتدفق بتفاصيلنا التي نعلمها والأخرى التي قد تفاجئنا في اللحظة ذاتها ونحن بصدد تفجير طاقاتنا كلها في وجه أوجاعنا التي تأبى -رغم كل المحاولات- مفارقتنا.

أين أضع هذا الرجل الذي لم يغادرني تماما؟ رغم أنه فصلني عنه وبعث بـي كطرد في جناح خاص لطائرة تونسية أقلتني إلى إيطاليا.

كنت أدرك أن السرية التي حرص عليها منذ قرر أن يهجرني من مدينة إلى أخرى، تشي بوقوع خطر ما يحدق بـي، لكنني لم أكن أعرف كنهه. وحده يعلم كل شيء، لكنه صامت لا يسمح بالسؤال ولا يجيب عن الحيرة التي تعلو النظرات والإرباك الذي تخلفه تصرفاته الغامضة. أنـزوي بدوري إلى ركن بعيد ألفُ حزني في صمتي. تأتيني هي لتخفف عني. تدفع باب الغرفة الموارب على أشيائي المستنفرة، تسبقها بسمتها الهادئة. تجلس على حافة السرير نصف جلسة. تطالعني بهدوئها المعهود. يأتي الصوت مرتعشا خافتا وكأنه يرتقب زلزالا قادما.

- وَاشْ بِيكِ صغيرتي انـزويت على الأنظار، ألا ترغبين في الجلوس معنا وأنت على وشك السفر.

الصفحات