أنت هنا

قراءة كتاب أحلام مدينة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحلام مدينة

أحلام مدينة

كتاب " أحلام مدينة " ، تأليف فريدة ابراهيم ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

نتشابه.. في القول: إن مدنا لا تشتهيها الأنواء هي مدن عواقر لا تستحق عطفنا، رغم ذلك نتشابه في عشقنا لهذه المدن التي عذبنا قحطها وصلف طبعها.

نتشابه.. في كثير من الأشياء التي لا تنتهي، ومن هذه الأشياء التي قد تمر بذاكرة أي واحد منا وفي أية لحظة من لحظات حياتنا الرتيبة..

السفر طوعا أو كرها، عشق مدن ومقت أخرى، الركض صوب الحب والهرب منه أيضا. الذاكرة الملعونة التي تلتصق بنا كلما أمعنا في التملص منها ومحاولة ركنها في إحدى الزوايا القديمة، المطارات التي تستقبلنا والأخرى التي تلفظنا، وذات الصوت الناعم الذي يأمرنا بأن نشد أحزمتنا والآخر الذي يدعونا بنفس النغمة الناعمة لنفك أحزمتنا، الوجوه التي تتسابق لكي تخدمنا وتوصلنا إمعانا في استغلالنا أحسن استغلال، وندرك أنه يجب علينا الحسم لأن أسوأ شيء في الحياة هو الوقوف في المنتصف، لا بد أن نختار مع أي طرف نحن لأن رسم الطريق يستوجب حُسْن اختيار الرفيق. وفي كل حالات تشابهنا واختلافنا، تظل المدن هي قاسمنا المشترك، لأنها تحفظ أسرارنا الصغيرة والخطيرة، وهي من يلقننا أول درس في الحب والكره أيضا.

يبقى السؤال الذي يلسعني كلما مرت بالذاكرة نكهة الصباحات القديمة في مدننا التي غادرناها ولم تغادرنا تماما، رحلنا عنها فأبت أحزاننا إلا أن ترافقنا.

- هل مر بكم يوما أحدٌ يشبهكم تماما؟! يمر بمحاذاتكم. هو ليس أنتم، وأنتم قد تكونون هوَّ تماما لكن لا شيء يثبت أنه أنتم! قد يسير إلى اليمين منكم أو اليسار. يقترب قليلا أو يبتعد كثيرا لا يهم، لأنه في كل الحالات هو معكم يَعُدُّ خطواتكم، قد يسبقكم بخطوتين، لكنه أبدا.. لن يغادر الطريق الذي تسيرون عليه منذ طفولتكم؟!

في هذا الصباح شعرت بغيري يتبعني، بل يجاذبني الحديث. كانت العينان تشبهني والوجه يتمدد ثم يتقلص فلا يثبت على شكل واضح.. يحاججني حينا ويغلظ القول أحيانا ثم يعود ليقودني بنعومة إلى حزني.

يهمس بـي وأنا في رواق البيت متجهة من المطبخ إلى الصالة، يأتي صوته طريا شهيا يعربد فوق طبلة الأذن، فأصغي طوعا وقدح القهوة الصباحية يشتعل بين الأصابع.

- إن مدناً تعاقرها الأنواء حتى الثمالة، هي مدن تحتوينا! وفي البعد نَحِنُّ إلى لياليها الطويلة.

من أعلى الشرفة المحاذية للحزن تماما.. في شقتي الواقعة في الدور الثاني تطل هذه المدينة المشتهاة، فالمدن كالنساء أيضا.. نشتهيها أو نفر منها! تطل هذه المدينة كامرأة مغوية جريئة تغزو بفرحها حزني الآسن منذ أن حللت بها ضيفة، لا تعرف كم ستمكث في قلبها الهادئ حينا والصاخب أحيانا أخرى.

كم من الصباحات مرت، وأنا هنا أحاول أن أقاسم مهرجانات الفرح التي لا تفارق "أنترلاكن"؟ ترى كيف يقاس العمر الآسن!؟ أبالسنين أم باللحظات؟ وكم مَرَّ علي وأنا هنا بعيدة عن مدينتي؟!..

سنتان؟! الأكيد سنة من الحزن أو ما يزيد، والحزن هو ذات الحزن لا شيء تغير؛ الليل مازال طويلا والأرق لا يفارقني، والأفكار مازالت تتمدد صوب الحزن.

الحزن الذي تكور في داخلي منذ كُنت هناك.. ولماّ غادرت مدنه لم يغادرني بل تغلغل في المسام فشكلني على مزاجه؛ كرة تتدحرج لتكون أضخم كلما مرت بالجراح، أو استسلمت للحظة تذكر.

أن تعيشي خمسا وعشرين سنة في وطن كلّما أمعنتِ في حبه عذبكِ أكثر.. هي قمة التعاسة!.

الصفحات