كتاب " أحلام مدينة " ، تأليف فريدة ابراهيم ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب أحلام مدينة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ها أنا أراقب قبعات أطفالك الشتوية التي تكاد تخفي العيون، وقفازات اليد الثقيلة والرقصات على بساط الفرح المهرب إليك عبر كل نقطة ضوء تخطو أولى خطواتها على صفحة قلبك الندي، لتعلن في همس حكمة "غوته"؛ لنبدأ الحياة كل يوم من جديد كما لو أنها بدأت الآن.
هل يمكننا أن نغامر مع "غوته" لنبدأ حياتنا كل يوم كما لو أنها بدأت الآن..!؟
صمت الصوت الآخر فجأة، لأجدني أواصل معاقرة قهوة الصباح ببعض الكعك المعطر بنكهة البرتقال، أواصل الحديث وكأنني أرد على تساؤلاته بحيرة لا جواب لها.
الآن.. بعد دقائق يصير لحظة من الماضي. فكم من الزمن الثقيل مرَّ لأعُدُّه من "الآن" وأفرغه وأفرغ كل الماضي في قمامة هذه المدن التي تُشرع أبوابها لتحتوي حزني.. وتحتويني؟
مدن لا يهمها شكلي ولا عنواني، لا يهمها إلا أن أسير وفق قانونها الذي يسري على الحزانى كما يسري على الفرحين؛ كلهم متساوون يطبقون تعاليم قانونها بحذافيره ولا يناقشونه، لأنه لا يستفز مشاعرهم ولا يختبر صبرهم.
وتبقى هذه المدينة النظيفة الساحرة تناصبني الفرح رغم صمتي وارتباكي في حضرة جمالها. في الحقيقة هي أقرب للقرية من المدينة. تتربع كملكة وسط عرش الجبال التي تزينها ثلوج لا تذوب في الغالب طيلة السنة، تخاصرها أجمل بحيرتين رأتهما عيناي؛ بحيرة "ثون" وبحيرة "برنيزر". هذه القرية المدينة تستعد كمدن الضباب الأخرى لاحتفالات أعياد الميلاد فقد نصبت الأشجار المزينة بالشرائط الملونة وبالأضواء المتلألئة في انتظار القادم بحلة الفرح الشهي.
لماذا اختار لي هذه المدينة؟ أدرك أن لا أحدا بحوزته الجواب على سؤالي، لكن الأكيد أنه اختار لي مدينة بمقاس أحلامي وكأنه كان يعلم بما يخالجني لكن غاب عنه أهم شيء في الرحلة؛ أنه لا يمكنني أن أعيش بعيدة عن مدينتي وقريتي وبحري وأهلي وأصحابـي، وربما حتى عنه هو بعد أن اقترب مني قليلا أو كثيرا.. لست أدري؟ فهو رجل غامض ولا يحب الكلام كثيرا ويمكنني أن أعُدّ جمله التي خاطبني بها منذ تعرفت عليه.
يخيل إلي أحيانا أنه رجل قاس جدا ثم أتراجع لأبحث له عن ألف عذر، فأوعز للظروف قسوته.
في الأخير.. نحن لا نفتش عن الأعذار إلا لمن نحب! وللأسف نكتشف مع بورخيس في لحظة غضب؛ ألاّ أحدا يمكنه إيذاءنا غيرهم، هؤلاء الذين - دون اختيار- وُجدنا لنحبهم!